التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٩٣
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٤
-التوبة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: أنه تعالى لما قال في الآية الأولى: { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } قال في هذه الآية إنما السبيل على من كان كذا وكذا، ثم الذين قالوا في الآية الأولى المراد { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } في أمر الغزو والجهاد، وأن نفي السبيل في تلك الآية مخصوص بهذا الحكم. قالوا: السبيل الذي نفاه عن المحسنين، هو الذي أثبته في هؤلاء المنافقين، وهو الذي يختص بالجهاد، والمعنى: أن هؤلاء الأغنياء الذين يستأذنونك في التخلف سبيل الله عليهم لازم، وتكليفه عليهم بالذهاب إلى الغزو متوجه، ولا عذر لهم ألبتة في التخلف.

فإن قيل: قوله: { رَضُواْ } ما موقعه؟

قلنا: كأنه استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء. فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يعني أن السبب في نفرتهم عن الجهاد، هو أن الله طبع على قلوبهم، فلأجل ذلك الطبع لا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا.

ثم قال: { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } علة للمنع من الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصير عذره مقبولاً. فإذا علم بأن القوم يكذبونه فيه، وجب عليه تركه. وقوله: { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى لما أطلع رسوله على ما في ضمائرهم من الخبث والمكر والنفاق، امتنع أن يصدقهم الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الأعذار.

ثم قال: { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } والمعنى أنهم كانوا يظهرون من أنفسهم عند تقرير تلك المعاذير حباً للرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين وشفقة عليهم ورغبة في نصرتهم، فقال تعالى: { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ } أنكم هل تبقون بعد ذلك على هذه الحالة التي تظهرونها من الصدق والصفاء، أو لا تبقون عليها؟

ثم قال: { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ }.

فإن قيل: لماقال: { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ } فلم لم يقل، ثم تردون إليه، وما الفائدة من قوله: { ثُمَّ }.

قلنا: في وصفه تعالى بكونه: { عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } ما يدل على كونه مطلعاً على بواطنهم الخبيثة، وضمائرهم المملوءة من الكذب والكيد، وفيه تخويف شديد، وزجر عظيم لهم.