التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٢٤
-يونس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } معنى الآية التشبيه والتمثيل، أي صفة الحياة الدنيا في فنائها وزوالها وقلة خطرها والملاذ بها كماء؛ أي مثل ماء، فالكاف في موضع رفع. وسيأتي لهذا التشبيه مزيد بيان في «الكهف» إن شاء الله تعالى. «أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ» نعت لـ «ماء». { فَٱخْتَلَطَ } روي عن نافع أنه وقف على «فَٱخْتَلَطَ» أي فاختلط الماء بالأرض، ثم ابتدأ «بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ» أي بالماء نبات الأرض؛ فأخرجت ألواناً من النبات، فنبات على هذا ابتداء، وعلى مذهب من لم يقف على «فَاخْتَلَطَ» مرفوع باختلط؛ أي ٱختلط النبات بالمطر، أي شرب منه فتندّى وحَسُن وٱخضرّ. والاختلاط تداخل الشيء بعضه في بعض.

قوله تعالى: { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } من الحبوب والثمار والبقول. { وَٱلأَنْعَامُ } من الكلإ والتبن والشعير. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } أي حسنها وزينتها. والزخرف كمال حسن الشيء؛ ومنه قيل للذهب: زخرف. { وَٱزَّيَّنَتْ } أي بالحبوب والثمار والأزهار؛ والأصل تزينت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل؛ لأن الحرف المدغم مقام حرفين الأوّل منهما ساكن والساكن لا يمكن الابتداء به. وقرأ ٱبن مسعود وأُبيّ بن كعب «وتزينت» على الأصل. وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية «وأَزْيَنَت» أي أتت بالزينة عليها، أي الغَلّة والزرع؛ وجاء بالفعل على أصله ولو أعلّه لقال وٱزّانت. وقال عوف بن أبي جميلة الأعرابي: قرأ أشياخنا «وٱزْيانّت» وزنه ٱسوادّت. وفي رواية المُقَدّمي «وٱزّاينت» والأصل فيه تزاينت، وزنه تقاعست ثم أدغم. وقرأ الشعبيّ وقتادة «وأزْينت» مثل أفعلت. وقرأ أبو عثمان النَّهدِيّ «وٱزْيَنَتْ» مثل ٱفعلت، وعنه أيضاً «وٱزيانت» مثل ٱفعالت، وروي عنه «ٱزيأنت» بالهمزة؛ ثلاث قراءات.

قوله تعالى: { وَظَنَّ أَهْلُهَآ } أي أيقن. { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أي على حصادها والانتفاع بها؛ أخبر عن الأرض والمعنِيّ النبات إذا كان مفهوماً وهو منها. وقيل: ردّ إلى الغلة، وقيل: إلى الزينة. { أَتَاهَآ أَمْرُنَا } أي عذابنا، أو أمرنا بهلاكها. { لَيْلاً أَوْ نَهَاراً } ظرفان. { فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } مفعولان، أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها. وقال «حَصيداً» ولم يؤنّث لأنه فعيل بمعنى مفعول. قال أبو عبيد: الحصيد المستأصَل. { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } أي لم تكن عامرة؛ من غَنِي إذا أقام فيهِ وعمرَه. والمغاني في اللغة: المنازل التي يعمرها الناس. وقال قتادة: كأن لم تنعم. قال لبِيد:

وغَنِيتُ سَبْتاً قبل مَجْرَى داحسٍلو كان للنفس اللَّجُوج خلودُ

وقراءة العامة «تَغْنَ» بالتاء لتأنيث الأرض. وقرأ قتادة «يغن» بالياء، يذهب به إلى الزخرف؛ يعني فكما يهلك هذا الزرع هكذا كذلك الدنيا. { نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } أي نبيّنُها. { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في آيات الله.