التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
-يونس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } مفعولان، أي مضيئة، ولم يؤنّث لأنه مصدر؛ أو ذات ضياء { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } عطف، أي منيراً، أو ذا نور، فالضياء ما يضيء الأشياء، والنور ما يبين فيخفى، لأنه من النار من أصل واحد. والضياء جمع ضوء؛ كالسياط والحياض جمع سَوط وحَوض. وقرأ قُنْبُل عن ابن كثير «ضئَاءً» بهمز الياء ولا وجه له؛ لأن ياءه كانت واواً مفتوحة وهي عين الفعل، أصلها ضواء فقلبت وجعلت ياء كما جعلت في الصيام والقيام. قال المهدويّ: ومن قرأ ضئاء بالهمز فهو مقلوب، قدّمت الهمزة التي بعد الألف فصارت قبل الألف فصار ضئايا، ثم قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة. وكذلك إن قدّرت أن الياء حين تأخرت رجعت إلى الواو التي انقلبت عنها فإنها تقلب همزة أيضاً فوزنه فلاع مقلوب من فعال. ويقال: إن الشمس والقمر تضيء وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع.

قوله تعالى: { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } أي ذا منازل، أو قدر له منازل. ثم قيل: المعنى وقدّرهما، فوحّد إيجازاً واختصاراً؛ كما قال: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة: 11]. وكما قال:

نحن بما عندنا وأنت بماعندك راضٍ والرأي مختلِفُ

وقيل: إن الإخبار عن القمر وحده؛ إذ به تحصى الشهور التي عليها العمل في المعاملات ونحوها، كما تقدّم في «البقرة». وفي سورة يسۤ. { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [يسۤ: 39] أي على عدد الشهر، وهو ثمانية وعشرون منزلاً. ويومان للنقصان والمحاق، وهناك يأتي بيانه.

قوله تعالى: { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } قال ٱبن عباس: لو جعل شمسين، شمساً بالنهار وشمساً بالليل ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يُعلم عدد السنين وحسابُ الشهور. وواحد «السِّنين» سنة، ومن العرب من يقول: سنوات في الجمع. ومنهم من يقول: سنهات. والتصغير سُنَيّة وسُنَيْهة.

قوله تعالى: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمةَ والصواب، وإظهاراً لصنعته وحكمته، ودلالةً على قدرته وعلمه، ولتجزى كل نفس بما كسبت؛ فهذا هو الحق.

قوله تعالى: { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } تفصيل الآيات تبيينها ليُستدلّ بها على قدرته تعالى، لاختصاص الليل بظلامه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ولا إيجاب؛ فيكون هذا لهم دليلاً على أن ذلك بإرادة مريد. وقرأ ٱبن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب «يفصل» بالياء، وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله من قبله: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } وبعده «وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ» فيكون متبعاً له. وقرأ ٱبن السَّمَيْقع «تفصل» بضم التاء وفتح الصاد على الفعل المجهول، و «الآيات» رفعاً. الباقون «نفصل» بالنون على التعظيم.