قوله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } «ما» للجحد؛ أي لست في شأن، يعني من عبادة أو غيرها إلا والربّ مطلع عليك. والشأن الخطب، والأمر، وجمعه شؤون. قال الأخفش: تقول العرب ما شأنْتُ شَأْنَه، أي ما عملت عمله. { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ } قال الفرّاء والزجاج: الهاء في «منه» تعود على الشأن، أي تحدِث شأناً فيتلى من أجله القرآن فيعلم كيف حكمه، أو ينزل فيه قرآن فيتلى. وقال الطبري: «منه» أي من كتاب الله تعالى. «مِنْ قُرْآنٍ» أعاد تفخيماً؛ كقوله: { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ }. { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } يخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم والأُمة. وقوله: «وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ» خطاب له والمراد هو وأُمته؛ وقد يخاطَب الرسول والمراد هو وأتباعه. وقيل: المراد كفار قريش. { إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } أي نعلمه؛ ونظيره
{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7]. { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } أي تأخذون فيه، والهاء عائدة على العمل؛ يقال: أفاض فلان في الحديث والعمل إذا اندفع فيه. قال الراعي:فأفَضْنَ بعد كُظومِهِنّ بجِرّةمن ذي الأباطح إذ رَعَيْنَ حَقِيلاَ
ابن عباس: «تُفِيضُونَ فِيهِ» تفعلونه. الأخفش: تتكلمون. ابن زيد: تخوضون. ابن كَيسان: تنشرون القول. وقال الضحاك: الهاء عائدة على القرآن؛ المعنى: إذ تشيعون في القرآن الكذب. { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ } قال ابن عباس: يغيب. وقال أبو رَوق: يبعد. وقال ابن كَيسان: يذهب. وقرأ الكسائيّ «يعزِب» بكسر الزاي حيث وقع؛ وضم الباقون؛ وهما لغتان فصيحتان؛ نحو يعرِش ويعرُش. { مِن مِّثْقَالِ } «من» صلة؛ أي وما يعزب عن ربك مثقال { ذَرَّةٍ }؛ أي وزن ذرّة، أي نميلة حمراء صغيرة، وقد تقدّم في «النساء». { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ } عطف على لفظ مثقال، وإن شئت على ذرّة. وقرأ يعقوب وحمزة برفع الراء فيهما عطفاً على موضع مثقال لأن من زائدة للتأكيد. وقال الزجاج: ويجوز الرفع على الابتداء. وخبره { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } يعني اللوح المحفوظ مع علم الله تعالى به. قال الجُرْجاني: «إلا» بمعنى واو النسق، أي وهو في كتاب مبين؛ كقوله تعالى: { { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ إِلاَّ مَن ظَلَمَ } [النمل: 10] أي ومن ظلم. وقوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [البقرة: 150] أي والذين ظلموا منهم؛ فـ «إلا» بمعنى واو النسق، وأضمر هو بعده، كقوله: { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [البقرة: 58] أي هي حطّة. وقوله: { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } [النساء: 171] أي هم ثلاثة. ونظير ما نحن فيه: { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59] وهو في كتاب مبين.