التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
-يوسف

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } يقال جَهَّزتُ القوم تَجهيزاً أي تكلّفت لهم بجَهازهم للسفر؛ وجهاز العروس ما يحتاج إليه عند الإهداء إلى الزّوج؛ وجوّز بعض الكوفيين الجهاز بكسر الجيم؛ والجهاز في هذه الآية الطعام الذي ٱمتاروه من عنده. قال السّديّ: وكان مع إخوة يوسف أحد عشر بعيراً، وهم عشرة، فقالوا ليوسف: إنّ لنا أخاً تخلّف عنا، وبعيره معنا؛ فسألهم لِمَ تخلف؟ فقالوا: لحبّ أبيه إياه، وذكروا له أنه كان له أخ أكبر منه فخرج إلى البريّة فهلَكَ؛ فقال لهم: أردت أن أرى أخاكم هذا الذي ذكرتم، لأعلم وجه محبة أبيكم إيّاه، وأعلم صدقكم؛ ويروى أنهم تركوا عنده شمعون رهينة، حتى يأتوا بأخيه بنيامين. وقال ابن عباس قال (يوسف) للترجمان قل لهم: لغتكم مخالفة للغتنا، وزيّكم مخالف لزيّنا، فلعلكم جواسيس؛ فقالوا: والله! ما نحن بجواسيس، بل نحن بَنُو أبٍ واحد، فهو شيخ صدّيق؛ قال: فكم عِدّتكم؟ قالوا: كنا ٱثني عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك فيها؛ قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا؛ قال: فمن يعلم صدقكم؟ قالوا: لا يعرفنا هاهنا أحد، وقد عرفناك أنسابنا، فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف: { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } إن كنتم صادقين؛ فأنا أرضى بذلك { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } أي أتمّه ولا أبخسه، وأزيدكم حمل بعير لأخيكم { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي } توعدهم ألاّ يبيعهم الطعام إن لم يأتوا به.

قوله تعالى: { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } يحتمل وجهين: أحدهما: أنه رخّص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل. والثاني: أنه كال لهم بمكيال واف. { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } فيه وجهان: أحدهما: أنه خير المضيفين، لأنه أحسن ضيافتهم؛ قاله مجاهد. الثاني: وهو محتمل؛ أي خير من نزلتم عليه من المأمونين؛ وهو على التأويل الأوّل مأخوذ من النُّزْل وهو الطعام، وعلى الثاني من المنزل وهو الدار.

قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي } أي فلا أبيعكم شيئاً فيما بعد، لأنه قد وفّاهم كيلهم في هذه الحال. { وَلاَ تَقْرَبُونِ } أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب، ولم يرد أنهم يبعدون منه ولا يعودون إليه؛ لأنه على العَود حَثّهم. قال السُّديّ: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا؛ فارتهن شمعون عنده؛ قال الكَلْبِيّ: إنما اختار شمعون منهم لأنه كان يوم الجبّ أجملهم قولاً، وأحسنهم رأياً. و«تَقْرَبُونِ» في موضع جزم بالنهي، فلذلك حذفت منه (النون وحذفت) الياء؛ لأنه رأس آية؛ ولو كان خبراً لكان «تقربون» بفتح النون.

قوله تعالى: { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } أي سنطلبه منه، ونسأله أن يرسله معنا. { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } أي لضامنون المجيء به، ومحتالون في ذلك.

مسألة: إن قيل: كيف ٱستجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟ قيل له: عن هذا أربعة أجوبة: أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ٱبتلاء ليعقوب، ليعظم له الثواب؛ فاتبع أمره فيه. الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف عليهما السلام. الثالث: لتتضاعف المسرّة ليعقوب برجوع ولديه عليه. الرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته؛ لميل كان منه إليه؛ والأوّل أظهر، والله أعلم.