التفاسير

< >
عرض

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٨٣
-يوسف

الجامع لاحكام القرآن

فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ } أي زَيَّنَتْ. { لَكُمْ أَنفُسُكُمْ } أن ابني سَرَق وما سَرَق، وإنما ذلك لأمر يريده الله. { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي فشأني صبر جميل؛ أو صبر جميل أولى بي، على ما تقدّم أوّل السورة.

الثانية: الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل، والرضا والتسليم لمجرِيه عليه وهو العليم الحكيم، ويقتدي (بنبي الله) يعقوب وسائر النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين. وقال سعيد بن أبي عَرُوبة عن قَتَادة عن الحسن قال: ما من جرعتين يتجرّعهما العبد أحبّ إلى الله من جرعة مصيبة يتجرّعها العبد بحسن صبر وحسن عَزَاء، وجرعة غيظ يتجرّعها العبد بحلم وعفو. وقال ابن جُريج عن مجاهد في قوله تعالى: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي لا أشكو ذلك إلى أحد. وروى مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رَبَاح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ بَثَّ لم يَصْبِر" . وقد تقدّم في «البقرة» أن الصبر عند أوّل الصَّدمة، وثواب من ذكر مصيبته وٱسترجع وإن تقادم عهدها. وقال جُوَيبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: إن يعقوب أُعطي على يوسف أجر مائة شهيد، وكذلك من ٱحتسب من هذه الأمة في مصيبته فله (مثل) أجر يعقوب عليه السلام.

قوله تعالى: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } لأنه كان عنده أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم يمت، وإنما غاب عنه خبره؛ لأن يوسف حمِل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئاً، ثم ٱشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس، ثم حُبس، فلما تمكن ٱحتال في أن يعلم أبوه خبره؛ ولم يُوجّه برسول لأنه كرِه من إخوته أن يعرفوا ذلك: فلا يَدعوا الرسول يَصلُ إليه. وقال: «بهم» لأنهم ثلاثة؛ يوسف وأخوه، والمتخلّف من أجل أخيه، وهو القائل: «فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ». { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بحالي. { ٱلْحَكِيمُ } فيما يقضي.