التفاسير

< >
عرض

كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً
١٠٢
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
١٠٤
-طه

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { كَذٰلِكَ } الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف. أي كما قصصنا عليك خبر موسى { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } قصصاً كذلك من أخبار ما قد سبق؛ ليكون تسلية لك، وليدل على صدقك. { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } يعني القرآن. وسمى القرآن ذكراً؛ لما فيه من الذكر كما سمى الرسول ذكراً؛ لأن الذكر كان ينزل عليه. وقيل: { آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } أي شرفاً، كما قال تعالى: { { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ } [الزخرف: 44]أي شرف وتنويه باسمك.

قوله تعالى: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي القرآن فلم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } أي إثماً عظيماً وحملاً ثقيلاً. { خَالِدِينَ فِيهِ } يريد مقيمين فيه؛ أي في جزائه وجزاؤه جهنم. { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } يريد بئس الحمل حملوه يوم القيامة. وقرأ داود بن رفيع «فإنَّهُ يُحَمَّلُ».

قوله تعالى: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } قراءة العامة «يُنْفَخُ» بضم الياء على الفعل المجهول. وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق بنون مسمى الفاعل. واستدل أبو عمرو بقوله تعالى: { وَنَحْشُرُ } بنون. وعن ابن هُرْمُز «يَنْفُخُ» بفتح الياء أي ينفخ إسرافيل. أبو عياض: «فِي الصُّوَرِ». الباقون: «في الصُّورِ» وقد تقدم هذا في «الأنعام» مستوفى وفي كتاب «التذكرة». وقرأ طلحة بن مُصرِّف «ويُحْشَرُ» بضم الياء «الْمُجْرِمُونَ» رفعاً بخلاف المصحف. والباقون { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي المشركين. { زُرْقاً } حال من المجرمين، والزَّرَق خلاف الكَحَل. والعرب تتشاءم بزَرَق العيون وتذمّه؛ أي تشوه خلقتهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم. وقال الكلبي والفراء: «زرقاً» أي عمياً. وقال الأزهري: عطاشاً قد ازرقت أعينهم من شدة العطش؛ وقاله الزجاج؛ قال: لأن سواد العين يتغير ويزرقّ من العطش. وقيل: إنه الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة؛ يقال: ابيضت عيني لطول انتظاري لكذا. وقول خامس: إن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف؛ قال الشاعر:

لقد زَرِقت عيناك يا ابنَ مُكَعْبَرٍكما كُلُّ ضَبِّيٍّ من اللؤم أَزْرَقُ

يقال: رجل أزرق العين، والمرأة زرقاء بينة الزَّرَق. والاسم الزُّرقة. وقد زَرِقت عينه بالكسر وازرقت عينه ازرقاقاً، وازراقت عينه ازريقاقاً. وقال سعيد بن جبير: قيل لابن عباس في قوله: { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } وقال في موضع آخر: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [الإسراء: 97]فقال: إن ليوم القيامة حالات؛ فحالة يكونون فيها زرقا، وحالة عميا. { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } أصل الخفت في اللغة السكون، ثم قيل لمن خفض صوته خَفَته. والمعنى يتسارون؛ قاله مجاهد؛ أي يقول بعضهم لبعض في الموقف سراً { إِن لَّبِثْتُمْ } أي ما لبثتم يعني في الدنيا، وقيل: في القبور { إِلاَّ عَشْراً } يريد عشر ليال. وقيل: أراد ما بين النفختين وهو أربعون سنة؛ يرفع العذاب في تلك المدة عن الكفار ـ في قول ابن عباس ـ فيستقصرون تلك المدة. أو مدة مقامهم في الدنيا لشدة ما يرون من أهوال يوم القيامة؛ ويخيل إلى أمثلهم أي أعدلهم قولاً وأعقلهم وأعلمهم عند نفسه أنهم ما لبثوا إلا يوماً واحداً يعني لبثهم في الدنيا؛ عن قتادة؛ فالتقدير: إلا مثل يوم. وقيل: إنهم من شدة هول المطلع نسوا ما كانوا فيه من نعيم الدنيا حتى رأوه كيوم. وقيل: أراد بيوم لبثهم ما بين النفختين، أو لبثهم في القبور على ما تقدم. «وعشراً» و«يوماً» منصوبان بـ«ـلبثتم».