قوله تعالى: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } تقدّم القول فيهما في «النحل» والحمد لله. وفي هود قصة السفينة ونوح، وركوب البحر في غير موضع.
قوله تعالى: { وَعَلَيْهَا } أي وعلى الأنعام في البر. { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } في البحر. { تُحْمَلُونَ } وإنما يحمل في البر على الإبل فيجوز أن ترجع الكناية إلى بعض الأنعام. وروي أن رجلاً ركب بقرة في الزمان الأوّل فأنطقها الله تعالى معه فقالت: إنا لم نخلق لهذاٰ وإنما خلقت للحرث.
قوله تعالى: { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } قرىء بالخفض ردًّا على اللفظ، وبالرفع رداً على المعنى. وقد مضى في «الأعراف».
قوله تعالى: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يسودكم ويشرُف عليكم بأن يكون متبوعاً ونحن له تبع. { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } أي لو شاء الله ألاّ يعبد شيء سواه لجعل رسوله مَلَكاً. { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي بمثل دعوته. وقيل: ما سمعنا بمثله بشراً؛ أتى برسالة ربه. { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي في الأمم الماضية؛ قاله ابن عباس. والباء في «بهذا» زائدة؛ أي ما سمعنا هذا كائناً في آبائنا الأوّلين، ثم عطف بعضهم على بعض فقالوا: { إِنْ هُوَ } يعنون نوحاً { إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي جنون لا يدري ما يقول. { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } أي انتظروا موته. وقيل: حتى يستبين جنونه. وقال الفراء: ليس يراد بالحين هاهنا وقت بعينه، إنما هو كقوله: دعه إلى يومٍ مّا. فقال حين تمادوْا على كفرهم: { رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } أي انتقم ممن لم يطعني ولم يسمع رسالتي. { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } أي أرسلنا إليه رسلاً من السماء { أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } على ما تقدّم بيانه.
قوله تعالى: { فَٱسْلُكْ فِيهَا } أي أدخل فيها واجعل فيها؛ يقال: سلكته في كذا وأسلكته فيه إذا أدخلته. قال عبد مناف بن رِبْع الهُذَلِيّ:
حتى إذا أسلكوهم في قُتائدةٍشَلاًّ كما تَطْرد الجَمَّالةُ الشُّرُدا
{ مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } قرأ حفص «مِن كلٍّ» بالتنوين، الباقون بالإضافة؛ وقد ذكر. وقال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما البق والذباب والدود فلم يحمل شيئاً منها، وإنما خرج من الطين. وقد مضى القول في السفينة والكلام فيها مستوفًى، والحمد لله.