التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ
٣٢
وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ
٣٣
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٤
لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ
٣٥
-الزمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ } أي لا أحد أظلم { مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } فزعم أن له ولداً وشريكاً { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ } يعني القرآن { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ } استفهام تقرير { مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } أي مقام للجاحدين، وهو مشتق من ثَوَى بالمكان إذا أقام به يَثْوِي ثَوَاء وثُوِيًّا مثل مَضَى مَضَاء ومُضِيًّا، ولو كان من أَثْوَى لكان مُثْوًى. وهذا يدّل على أن ثَوَى هي اللغة الفصيحة. وحكى أبو عبيد أَثْوَى، وأنشد قول الأعشى:

أَثْوَى وقَصَّر لَيْلَةً لِيُزَوَّدَاومَضَى وأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا

والأصمعي لا يعرف إلا ثَوَى، ويروى البيت أَثَوَى على الاستفهام. وأَثْوَيتُ غيري يتعدى ولا يتعدّى.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } في موضع رفع بالابتداء وخبره { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } واختلف في الذي جاء بِالصدق وصَدَّقَ بِهِ؛ فقال علي رضي الله عنه: «الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ» النبي صلى الله عليه وسلم «وَصَدَّقَ بِهِ» أبو بكر رضي الله عنه. وقال مجاهد: النبي عليه السلام وعليّ رضي الله عنه. السّدي: الذي جاء بالصدق جبريل صلى الله عليه وسلم والذي صدّق به محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد ومقاتل وقتادة: «الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْق» النبي صلى الله عليه وسلم «وَصَدَّقَ بِهِ» المؤمنون. واستدلوا على ذلك بقوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } كما قال: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2]. وقال النَّخَعي ومجاهد: «الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِه» المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة فيقولون: هذا الذي أعطيتُمونا قد اتبعنا ما فيه؛ فيكون { الَّذِي } على هذا بمعنى جمع كما تكون مَنْ بمعنى جمع. وقيل: بل حذفت منه النون لطول الاسم، وتأوله الشعبي على أنه واحد. وقال: { الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } محمد صلى الله عليه وسلم فيكون على هذا خبره جماعة؛ كما يقال لمن يُعظَّم هو فعلوا، وزيد فعلوا كذا وكذا. وقيل: إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله عز وجل؛ قاله ابن عباس وغيره، واختاره الطبري. وفي قراءة ابن مسعود { وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَقُوا بِهِ } وهي قراءة على التفسير. وفي قراءة أبي صالح الكوفي { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَقَ بِهِ } مخففاً على معنى وصدق بمجيئه به، أي صدق في طاعة الله عز وجل، وقد مضى في «البقرة» الكلام في «الَّذِي» وأنه يكون واحداً ويكون جمعاً. { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } أي من النعيم في الجنة، كما يقال: لك إكرام عندي؛ أي ينالك مني ذلك. { ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة.

قوله تعالى: { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } أي صدّقوا { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ }. { أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } أي يكرمهم ولا يؤاخذهم بما عملوا قبل الإسلام. { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ } أي يثيبهم على الطاعات في الدنيا { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } وهي الجنة.