التفاسير

< >
عرض

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٥٥
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً
١٥٦
-النساء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِّيثَاقَهُمْ } «فبِما نقضِهِمْ» خفض بالباء و «ما» زائدة مؤكدة كقوله: { { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 159] وقد تقدّم؛ والباء متعلقة بمحذوف، التقدير: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم؛ عن قتادة وغيره. وحذف هذا لعلم السامع. وقال أبو الحسن عليّ بن حمزة الكسائيّ: هو متعلق بما قبله؛ والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله: { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِّيثَاقَهُمْ } قال: ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم الميثاق وقتلهم الأنبياء وسائر ما بيّن من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم. وأنكر ذلك الطبريّ وغيره؛ لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى، والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان. قال المهدويّ وغيره: وهذا لا يلزم؛ لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم؛ على ما تقدّم في «البقرة». قال الزجاج: المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرّمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم؛ لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله: { { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا } [النساء: 160]. ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم. وقيل: المعنى فبنقضهم لا يؤمنون إلا قليلاً؛ والفاء مقحمة. و { وَكُفْرِهِم } عطف، وكذا و { قَتْلِهِمُ }. والمراد { بَآيَاتِ ٱللَّهِ } كتبهم التي حرّفوها. و «غُلْفٌ» جمع غِلاف؛ أي قلوبنا أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا. وقيل: هو جمع أغلف وهو المغطى بالغِلاف؛ أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول؛ وهو كقوله: { { قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ } [فصلت: 5] وقد تقدّم هذا في «البقرة» وغرضهم بهذا درء حجة الرسل. والطبع الختم؛ وقد تقدّم في «البقرة». { بِكُفْرِهِمْ } أي جزاء لهم على كفرهم؛ كما قال: « { بل لعنَهُمُ الله بكُفْرِهِم فلا يُؤْمِنُونَ إلاّ قليلاً } » [البقرة: 88] أي إلا إيماناً قليلاً أي ببعض الأنبياء، وذلك غير نافع لهم. ثم كرر «وَبِكُفْرِهِمْ» ليخبر أنهم كفروا كفراً بعد كفر. وقيل: المعنى «وبِكُفْرِهِم» بالمسيح؛ فحذف لدلالة ما بعده عليه، والعامل في «بِكُفْرِهِم» هو العامل في «بِنَقْضِهِم» لأنه معطوف عليه، ولا يجوز أن يكون العامل فيه «طَبَعَ». والبهتان العظيم رميها بيوسف النجار وكان من الصالحين منهم. والبهتان الكذب المفرِط الذي يتعجب منه وقد تقدّم. والله سبحانه وتعالى أعلم.