قوله تعالى: { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ } أي لن يأنَفَ ولن يحتشِم. { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } أي من أن يكون؛ فهو في موضع نصب. وقرأ الحسن: «إن يكون» بكسر الهمزة على أنها نفي هو بمعنى «ما» والمعنى ما يكون له ولد؛ وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرّواة. { وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي من رحمة الله ورضاه؛ فدل بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وكذا
{ { وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } [هود: 31] وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في «البقرة». { وَمَن يَسْتَنْكِفْ } أي يأنَف { عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } فلا يفعلها. { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ } أي إلى المحشر. { جَمِيعاً } فيجازي كلا بما يستحق، كما بينه في الآية بعد هذا { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } إلى قوله: { نَصِيراً }. وأصل «يَسْتَنْكِفُ» نَكِفَ؛ فالياء والسين والتاء زوائد؛ يقال: نكفت من الشيء وٱستَنْكفت منه وأنكَفْته أي نزّهته عما يستنكف منه؛ ومنه الحديث "سئل عن سبحان الله فقال: إنْكافُ اللَّهِ من كل سوءٍ" يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد. وقال الزجاج: ٱستنكف أي أنِف مأخوذ من نَكَفْت الدّمع إذا نَحّيته بإصبعك عن خدّك؛ ومنه الحديث: "ما يُنْكَفُ العَرَقُ عن جبينه" أي ما ينقطع؛ ومنه الحديث: "جاء بجيش لا يُنْكَف آخره" أي لا ينقطع آخره. وقيل: هو من النّكَفِ وهو العيب؛ يقال: ما عليه في هذا الأمر نَكَفٌ ولا وَكَف أي عيب: أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزّه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها.