التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
-النساء

الجامع لاحكام القرآن

فيه إحدى عشرة مسألة:

الأولى ـ قوله تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } ابتداء وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهن والذَّب عنهن؛ وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. يقال: قوّام وقَيِّم. والآية نزلت في سعد بن الربيع نَشَزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها؛ فقال أبوها: "يا رسول الله، أفرشتهُ كريمتي فلطمهاٰ فقال عليه السلام: لِتَقْتَصّ من زوجها. فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال عليه السلام: ارجعوا: هذا جبريل أتاني فأنزل الله هذه الآية فقال عليه السلام: أردنا أمْرّاً وأراد الله غيره" . وفي رواية أُخرى؛ "أردتُ شيئاً وما أراد الله خير" . ونقض الحكم الأوّل. وقد قيل: إن في هذا الحكم المردود نزل { { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114]. ذكر إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال وعارِم بن الفَضْل ـ واللفظ لحجاج ـ قال حدّثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول: " إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زَوْجي لطم وجهي. فقال: بينكما القصاص" ، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }. وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ }. وقال أبو رَوْق: نزلت في جميلة بنت أبيّ وفي زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس. وقال الكلبي: نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع. وقيل؛ سببها قولُ أمِّ سلمة المتقدّم. ووجه النظم أنهنّ تكلمنّ في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت «وَلاَ تَتَمَنَّوا» الآية. ثم بيّن تعالى أنّ تفضيلهم عليهنّ في الإرث لِما على الرجال من المهر وٱلإنفاق؛ ثم فائدة تفضيلهم عائدةٌ إليهنّ. ويقال: إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهنّ لذلك. وقيل: للرجال زيادة قوّة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوّة وشدّة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهنّ بذلك، وبقوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }.

الثانية ـ ودّلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءَهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرّجل عِشرتها. و «قَوّام» فعّال للمبالغة؛ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد. فقيام الرّجال على النساء هو علىٰ هذا الحد؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز وأنْ عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية؛ وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوّة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف وٱلنهي عن المنكر. وقد راعى بعضهم في التفضيل الِّلحْيَة وليس بشيء؛ فإن الَّلحْيَة قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا وقد مضى الردّ على هذا في «البقرة».

الثالثة ـ فَهِم العلماء من قوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قوّاماً عليها، وإذا لم يكن قَوّاماً عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شُرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحةٌ من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة؛ وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة؛ لا يفسخ؛ لقوله تعالى: { { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] وقد تقدّم القول في هذا في هذه السورة.

الرابعة ـ قوله تعالى: { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في مالِه وفي نفسها في حال غيبة الزوج. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سَرّتْك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غِبْتَ عنها حفِظتك في نفسها ومالِك" قال: وتلا هذه الآية { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } إلى آخر الآية. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر: "ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأةُ الصالحة إذا نظر إليها سرّتْه وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته" أخرجه أبو داود. وفي مصحف ابن مسعود "فالصّوالح قوانِت حوافِظ" . وهذا بناء يختص بالمؤنث. قال ابن جِنَّي: والتكسير أشبه لفظاً بالمعنى؛ إذا هو يعطي الكثرة وهي المقصود ها هنا. و { مَآ } في قوله: { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } مصدرية، أي بحفظ الله لهنّ. ويصح أن تكون بمعنى الذي، ويكون العائد في «حفظ» ضمير نصب وفي قراءة أبي جعفر «بما حفط الله» بالنصب قال النحاس: الرفع أبين أي حافظات لمغيب أزواجهن بِحفظ الله ومعونته وتسديده. وقيل: بما حفِظهن الله في مهورهن وعشرتهن. وقيل: بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن. ومعنى قراءة النصب: بحفظهن الله؛ أي بحفظهن أمره أو دينه. وقيل في التقدير: بما حفظن الله، ثم وُحِّد الفعل؛ كما قيل:

فـإن الحـوادث أَودَى بهـا

وقيل: المعنى بحفظٍ الله؛ مثل حفِظتُ الله.

الخامسة: قوله تعالى: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } اللاتي جمع التي وقد تقدّم. قال ابن عباس: تخافون بمعنى تعلمون وتتيقَّنون. وقيل هو على بابه. والنُّشوز العصيان؛ مأخوذ من النَّشْز، وهو ما ارتفع من الأرض. يقال: نَشَز الرجل يُنشز وينشز إذا كان قاعداً فنهض قائماً؛ ومنه قوله عز وجل: { { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } [المجادلة: 11] أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى. فالمعنى: أي تخافون عِصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج. وقال أبو منصور الُّلغَوِي: النشوز كراهيةُ كلِّ واحد من الزوجين صاحبَه؛ يقال: نشزت تنشِز فهي ناشِز بغير هاء. ونَشَصت تنشص، وهي السيئة للعشرة. وقال ابن فارس: ونشزت المرأة استصعبت على بعلها، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها. قال ابن دُرَيد: نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنًى واحد.

السادسة ـ قوله تعالى: { فَعِظُوهُنَّ } أي بكتاب الله؛ أي ذكّروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العِشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، ويقول: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" . وقال: "لا تمنعه نفسَها وإن كانت على ظهر قَتَبٍ" . وقال: "أيُّما ٱمرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبِح" في رواية "حتى تراجع وتضع يدها في يده" . وما كان مثل هذا.

السابعة ـ قوله تعالى: { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } وقرأ ابن مسعود والنَّخَعِيّ وغيرهما «في المضجع» على الإفراد؛ كأنه اسم جنس يؤدّي عن الجمع. والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويُولِيها ظهره ولا يجامعها؛ عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: جنِّبوا مضاجِعهن؛ فيتقدّر على هذا الكلام حذف، ويَعضُده «اهجروهن» من الهجران، وهو البعد؛ يقال: هجره أي تباعد ونأى عنه. ولا يمكن بُعْدُها إلا بترك مضاجعتها. وقال معناه إبراهيم النَّخعِي والشّعبِيّ وقَتادة والحسن البصريّ، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك، وٱختاره ابن العربي وقال: حَملُوا الأمر على الأكثر المُوفي. ويكون هذا القول كما تقول: ٱهجره في الله. وهذا أصل مالك.

قلت: هذا قول حَسَن؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشقّ عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مُبغِضة فيظهر النشوز منها؛ فيتبيّن أن النشوز من قِبَلها. وقيل: «اهجروهن» من الهُجر وهو القبيح من الكلام، أي غلِّظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره؛ قال معناه سفيان، وروي عن ابن عباس. وقيل: أي شدّوهن وثَاقاً في بيوتهن؛ من قولهم: هجرَ البعيرَ أي ربطه بالهِجار، وهو حبل يُشدّ به البعير، وهو اختيار الطبري وقدح في سائر الأقوال. وفي كلامه في هذا الموضع نظر. وقد ردّ عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه فقال: يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة! والذي حمله على هذا التأويل حديثٌ غريب رواه ابن وهبٍ عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ٱمرأةَ الزبير بن العوّام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك. قال: وعتب عليها وعلى ضَرّتها، فعقد شعر واحدة بالأُخرى ثم ضربهما ضرباً شديداً، وكانت الضرّة أحسن ٱتقاء، وكانت أسماء لا تتّقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكَتْ إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها: أيّ بُنيّة ٱصبِري فإن الزّبير رجل صالح، ولعلّه أن يكون زوجَك في الجنة؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ٱبتكر بٱمرأة تزوّجها في الجنة. فرأى الربط والعقد مع ٱحتمال اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير. وهذا الهجر غايته عند العلماء شهرٌ؛ كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أسَرّ إلى حفصة فأفشته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه. ولا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضرب الله أجلاً عذراً للمُولِي.

الثامنة ـ قوله تعالى: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ثم بالهجران، فإن لم يَنْجَعا فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلِحها له ويحملها على تَوْفِية حقه. والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المُبَرِّح، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة كاللَّكْزة ونحوها؛ فإن المقصود منه الصلاح لا غير. فلا جَرَم إذا أدّى إلى الهلاك وجب الضمان، وكذلك القول في ضرب المؤدّب غلامَه لتعليم القرآن والأدب. وفي صحيح مسلم: " ٱتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألاّ يُوطِئْنَ فُرُشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضَرْباً غيرُ مُبَرِّح" الحديث. أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج، أي لا يُدخِلن منازلكم أحداً ممن تكرهونه من الأقارب والنساء الأجانب. وعلى هذا يُحمل ما رواه التّرْمذِيّ وصحّحه عن عمرو بن الأحْوَص أنه شهد حجة الودَاع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمِد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال: "ألاَ وٱستَوْصُوا بالنساء خيراً فإنهن عَوَانٍ عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيِّنة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجِع وٱضربوهن ضرباً غيرَ مُبَرِّح فإن أطَعْنَكم فلا تَبْغُوا عليهن سبيلاً ألا إنّ لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقّاً فأما حقكم على نسائكم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم من تكرهون ألاَ وحقُّهنّ عليكم أن تحسِنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" . قال: هذا حديث حسن صحيح. فقوله: { بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } يريد لا يُدخِلن مَن يكرهه أزواجُهن ولا يُغضِبنهم. وليس المراد بذلك الزنى؛ فإن ذلك محرّم ويلزم عليه الحدّ. وقد قال عليه الصلاة والسلام: " ٱضرِبوا النساء إذا عَصَينكم في معروفٍ ضَرْباً غيرَ مُبَرِّح" . قال عطاء: قلت لابن عباس ما الضرب غيرُ المُبَرِّح؟ قال بالسواك ونحوه. وروي أن عمر رضي الله عنه ضرب ٱمرأته فعُذِل في ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُسأل الرجل فيمَ ضرب أهله" .

التاسعة ـ قوله تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } أي تركوا النشوز. { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي لا تَجْنُوا عليهن بقولٍ أو فعلٍ. وهذا نهيٌ عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن. وقيل: المعنى لا تكلِّفوهن الحُبَّ لكم فإنه ليس إليهن.

العاشرة ـ قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولِين الجانب؛ أي إن كنتم تقدِرون عليهن فتذكّروا قدرة الله؛ فيَدهُ بالقدرة فوق كل يد. فلا يَستعلي أحد على ٱمرأته فالله بالمرصاد؛ فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلوّ والكبر.

الحادية عشرة ـ وإذا ثبت هذا فٱعلم أن الله عزّ وجلّ لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صُراحاً إلا هنا وفي الحدود العظام؛ فسَاوى معصِيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولّى الأزواج ذلك دون ٱلأئمة، وجعله لهم دون القُضاة بغير شهود ولا بينات ٱئتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء. قال المهلب: إنما جوّز ضرب النساء من أجل ٱمتناعهنّ على أزواجهنّ في المباضعة. وٱختلِف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجِب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز (ضربها) في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف. وقال ٱبن خُوَيْزِ مَنْدَاد: والنشوز يُسقِط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضرِبها الزوج ضرب الأدب غير المُبَرِّح، والوعظُ والهجر حتى ترجِع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها؛ وكذلك كل ما ٱقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها. ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة؛ فأدب الرفيعة العَذْل، وأدب الدنيئة السَّوْط. وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "رحِم الله ٱمرأ علّق سوطه وأدّب أهله" . وقال: "إنّ أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتِقه" . وقال بَشَّار:

الحرُّ يُلْحَى والعصا للعبْدِ

يُلْحَى أي يلام؛ وقال ٱبن دُرَيد:

وٱللَّوْمُ للحرّ مُقيمٌ رادِعٌوالعبد لا يَرْدَعهُ إلا العَصَا

قال ٱبن المنذِر: ٱتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعاً بالِغِين إلا الناشز منهنّ الممتنعة. وقال أبو عمر: من نشزت عنه ٱمرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملاً. وخالف ٱبن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشِز فأوجبها. وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها. ولا تَسقط نفقةُ المرأة عن زوجها لشيءٍ غير النشوز؛ لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مَغِيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جَوْرٍ غير ما ذكرنا. والله أعلم.