التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
-الأحقاف

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } اختلف في سبب نزولها على ستة أقوال:

الأوّل ـ أن أبا ذَرّ الغفاري دعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بمكة فأجاب، واستجار به قومه فأتاه زعيمهم فأسلم، ثم دعاهم الزعيم فأسلموا؛ فبلغ ذلك قريشاً فقالوا: غفارٌ الحلفاء لو كان هذا خيراً ما سبقونا إليه؛ فنزلت هذه الآية، قاله أبو المتوكل.

الثاني ـ أن زِنِّيرة أسلمت فأصيب بصرها فقالوا لها: أصابك اللات والعزى؛ فردّ الله عليها بصرها. فقال عظماء قريش: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه زِنِّيرة؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ قاله عروة بن الزبير.

الثالث ـ أن الذين كفروا هم بنو عامر وغَطَفان وتميم وأسَد وحَنْظَلة وأشْجَع، قالوا لمن أسلم من غِفار وأسلم وجُهينة ومُزينة وخزاعة: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه رُعاة الْبَهْم إذ نحن أعزّ منهم؛ قاله الكلبي والزّجاج، وحكاه القُشَيْري عن ٱبن عباس. وقال قتادة: نزلت في مشركي قريش، قالوا: لو كان ما يدعونا إليه محمد خيراً ما سبقنا إليه بِلال وصُهيب وعَمّار وفلان وفلان. وهو القول الرابع.

القول الخامس ـ أن الذين كفروا من اليهود قالوا للذين آمنوا يعني عبد الله بن سلام وأصحابه: لو كان دين محمد حقاً ما سبقونا إليه؛ قاله أكثر المفسرين، حكاه الثعلبي. وقال مسروق: إن الكفار قالوا لو كان خيراً ما سبقتنا إليه اليهود؛ فنزلت هذه الآية.

وهذه المعارضة من الكفار في قولهم: لو كان خيراً ما سبقونا إليه من أكبر المعارضات بانقلابها عليهم لكل من خالفهم؛ حتى يقال لهم: لو كان ما أنتم عليه خيراً ما عدلنا عنه، ولو كان تكذيبكم للرسول خيراً ما سبقتمونا إليه؛ ذكره الماوردي. ثم قيل: قوله: { مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } يجوز أن يكون من قول الكفار لبعض المؤمنين، ويجوز أن يكون على الخروج من الخطاب إلى الغيبة؛ كقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]. { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } يعني الإيمان. وقيل القرآن. وقيل محمد صلى الله عليه وسلم. { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي لما لم يصيبوا الهدى بالقرآن ولا بمن جاء به عادَوْه ونسبُوه إلى الكذب، وقالوا هذا إفك قديم؛ كما قالوا: أساطير الأوّلين. وقيل لبعضهم: هل في القرآن: من جهل شيئاً عاداه؟ فقال نعم، قال الله تعالى: { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } ومثله: { { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } [يونس:39].