التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٨
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٠
-المائدة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ } الآية تقدّم معناها في «النساء». والمعنى: أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوّامين لله، أي لأجل ثواب الله؛ فقوموا بحقه، وٱشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم، وحَيْف على أعدائكم، { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق. وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدوّ على عدوّه في الله تعالىٰ ونفوذ شهادته عليه؛ لأنه أمر بالعَدْلِ وإن أبغضه، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه. ودلّت الآية أيضاً على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المُثْلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغَمُّونا بذلك؛ فليس لنا أن نقتلهم بمُثْلةٍ قصداً لإيصال الغمّ والحزن إليهم؛ وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة؛ هذا معنى الآية. وتقدّم في صدر هذه السورة معنى قوله: { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ }. وقرِىء «وَلاَ يُجْرِمَنَّكُمْ» قال الكسَائيّ: هما لغتان. وقال الزّجاج: معنى «وَلاَ يُجْرِمَنَّكُمْ» لا يُدخلنكم في الجُرم، كما تقول آثمني أي أدخلني في الإثم. ومعنى { هو أقْربُ لِلتَّقَوىٰ } أي لأن تتقوا الله. وقيل: لأن تتقوا النار. ومعنى { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي قال الله في حق المؤمنين: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» أي لا تعرف كنهه أفهام الخلق؛ كما قال: { { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17]. وإذا قال الله تعالىٰ: { أَجْرٌ عَظِيمٌ } و { أَجْرٌ كَرِيمٌ } و { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } فمن ذا الذي يقدر قدره؟. ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» وهو في موضع نصب؛ لأنه وقع موقع الموعود به، على معنى وعدهم أنّ لهم مغفرة، أو وعدهم مغفرة إلاَّ أن الجملة وقعت موقع المفرد؛ كما قال الشاعر:

وَجَدْنا الصَّالحين لهم جزاءَوَجِنَّاتٍ وَعَيناً سَلْسَبِيَلا

وموضع الجملة نصب؛ ولذلك عطف عليها بالنصب. وقيل: هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفاً؛ على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به. وهذا المعنى عن الحسن. { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ } نزلت في بني النَّضِير. وقيل: في جميع الكفار.