التفاسير

< >
عرض

قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١١
قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٢
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين المستسخرين المكذبين: سافروا في الأرض فانظروا وٱستخبروا لتعرفوا ما حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب؛ وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأُمم وأهل الديار، والعاقبة آخر الأمر. والمكذِّبون هنا من كذّب الحق وأهله لا من كذّب بالباطل.

قوله تعالىٰ: { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } هذا أيضاً ٱحتجاج عليهم؛ المعنى قل لهم يا محمد: { لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فإن قالوا لمن هو؟ فقل هو { للَّهِ }؛ المعنى: إذا ثبت أن له ما في السَّماوات والأرض، وأنه خالق الكل إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم، فالله قادر على أن يُعاجلهم بالعقاب، ويبعثهم بعد الموت، ولكنه { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أي وعد بها فضلاً منه وكرماً، فلذلك أمهل. وذكر النفس هنا عبارة عن وجوده، وتأكيد وعده، وارتفاع الوسائط دونه؛ ومعنى الكلام الإستعطاف منه تعالىٰ للمتولّين عنه إلى الإقبال إليه، وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة. وفي صحيح مسلم عن أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تَغلب غضبي" أي لما أظهر قضاءه، وأبرزه لمن شاء، أظهر كتاباً في اللوح المحفوظ ـ أو فيما شاءه ـ مقتضاه خبر حق ووعد صدق "إنّ رحمتي تغلب غضبي" أي تسبقه وتزيد عليه.

قوله تعالىٰ: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } اللام لام القسم، والنون نون التأكيد. وقال الفرّاء وغيره: يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: { ٱلرَّحْمَةَ } ويكون ما بعده مستأنفاً على جهة التبيين؛ فيكون معنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ليُمهلنكم وليؤخرنّ جمعكم. وقيل: المعنى ليجمعنكم أي في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه. وقيل: «إلى» بمعنى في، أي ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل: يجوز أن يكون موضع { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } نصباً على البدل من الرحمة؛ فتكون اللام بمعنى «أن» المعنى: كتب ربكم على نفسه ليجمعنكم، أي أن يجمعكم؛ وكذلك قال كثير من النحويين في قوله تعالىٰ: { { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } [يوسف: 35] أي أن يسجنوه. وقيل: موضعه نصب بـ «ـكَتَبَ»؛ كما تكون «أن» في قوله عزّ وجلّ { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَالَةٍ } وذلك أنه مفسر للرحمة بالإمهال إلى يوم القيامة؛ عن الزجاج. { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فيه. { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ابتداء وخبر، قاله الزجاج، وهو أجود ما قيل فيه؛ تقول: الذي يكرمني فله درهم، فالفاء تتضمن معنى الشرط والجزاء. وقال الأخفش: إن شئت كان «الذين» في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي ليجمعن المشركين الذي خسروا أنفسهم؛ وأنكره المبرّد وزعم أنه خطأ؛ لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطِب لا يُقال: مررت بك زيدٍ ولا مررت بي زيدٍ لأن هذا لا يُشكل فيُبيَّن. قال القُتَبِيّ: يجوز أن يكون «الذين» جزاء على البدل من «المكذّبين» الذين تقدّم ذكرهم. أو على النعت لهم. وقيل: «الذين» نداء مفرد.