التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
١٨
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } القهر الغلبة، والقاهر الغالب، وأُقهِر الرجل إذا صير بحال المقهور الذليل؛ قال الشاعر:

تَمَنَّى حُصَينٌ أن يَسُودَ جِذاعُهفأمسى حُصَينٌ قَد أَذلَّ وأَقْهَرا

وقُهر غُلب. ومعنى { فَوْقَ عِبَادِهِ } فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم؛ أي هم تحت تسخيره لا فوقية مكان؛ كما تقول: السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة. وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة، وهو منع غيره عن بلوغ المراد. { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في أمره { ٱلْخَبِيرُ } بأعمال عباده، أي من ٱتصف بهذه الصفات يجب ألاَّ يُشرَكَ به.

قوله تعالىٰ: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً } وذلك أن المشركين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت الآية؛ عن الحسن وغيره. ولفظ { شَيْءٍ } هنا واقع موقع ٱسم الله تعالىٰ؛ المعنى الله أكبر شهادة أي ٱنفراده بالربوبية، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم؛ فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلّغتكم وصَدَقت فيما قلته وٱدّعيته من الرسالة.

قوله تعالىٰ: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ } أي والقرآن شاهد بنبوّتي. { لأُنذِرَكُمْ بِهِ } يا أهل مكة. { وَمَن بَلَغَ } أي ومن بلغه القرآنُ. فحذف «الهاء» لطول الكلام. وقيل: ومن بلغ الحُلُم. ودلّ بهذا على أن من لم يَبلغ الحُلُم ليس بمخاطَب ولا مُتعبَّد. وتبليغ القرآن والسنة مأمور بهما، كما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتبليغهما؛ فقال: { { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67]. وفي صحيح البخاريّ عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "بَلِّغُوا عني ولو آية وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج ومن كَذَب عليّ متعمِّداً فَلْيتبّوأ مَقْعَده من النار" . وفي الخبر أيضاً؛ من بَلَغته آية من كتاب الله فقد بَلَغه أمر الله أَخَذَ به أو تَرَكه. وقال مُقاتل: من بَلَغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له. وقال القُرَظيّ: من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمداً صلى الله عليه وسلم وسمعَ منه. وقرأ أبو نَهِيك: «وَأُوْحَي إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ» مسمى الفاعل؛ وهو معنى قراءة الجماعة. { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ } ٱستفهام توبيخ وتقريع. وقرىء { أَئِنَّكُمْ } بهمزتين على الأصل. وإن خَفَّفت الثانية قلت: «أَيِنَّكُمْ». وروى الأصمعِيّ عن أبي عمرو ونافع «أَئِنَّكُمْ»؛ وهذه لغة معروفة، تُجعَل بين الهمزتين ألفٌ كراهة لالتقائهما؛ قال الشاعر:

أَيَا ظبيةَ الْوَعْسَاءِ بين جَلاَجِلٍوَبَيْنَ النَّقَا آأَنْتِ أَمْ أَمُّ سَالِم

ومن قرى «إنَّكُمْ» على الخبر فعلى أنه قد حَقّق عليهم شركهم. وقال: «آلِهَةً أُخْرَىٰ» ولم يقل: «أُخَر»؛ قال الفرّاء: لأن الآلهة جمعٌ والجمع يقع عليه التأنيث؛ ومنه قوله: { { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] وقوله { { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } [طه: 51] ولو قال: الأوّل والآخر صَحّ أيضاً. { قُل لاَّ أَشْهَدُ } أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه، ونظيره { { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } [الأنعام: 150].