التفاسير

< >
عرض

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ
٣٣
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٤
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } كسرت «إنّ» لدخول اللام. قال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد والله ما نُكذِّبك وإنك عندنا لصادق، ولكن نُكذِّب ما جئتَ به؛ فنزلت هذه الآية: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ثم آنسه بقوله: { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } الآية. وقرىء «يُكَذِّبُونَكَ»؛ مخففاً ومشدّداً؛ قيل: هما بمعنى واحد كحزنته وأحزنته؛ وٱختار أبو عُبيد قراءة التخفيف، وهي قراءة علي رضي الله عنه؛ وروى عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به؛ فأنزل الله عز وجل: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ }. قال النحاس وقد خولف أبو عُبيد في هذا. وروى: لاَ نُكذبِك. فأنزل الله عز وجل: { لاَ يُكَذِّبُونَكَ }. ويقوّي هذا أن رجلاً قرأ على ابن عباس «فَإِنَّهُمْ لاَ يُكْذِبُونَكَ» مخففاً فقال له ابن عباس «فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ». لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم: الأمين. ومعنى «يُكَذِّبُونَكَ» عند أهل اللغة ينسبونك إلى الكذب؛ ويردّون عليك ما قلت. ومعنى «لا يُكْذِبُونَكَ» أي لا يجدونك تأتي بالكذب؛ كما تقول: أكذبته وجدته كذّاباً، وأبخلته وجدته بخيلاً، أي لا يجدونك كذّاباً إن تدبّروا ما جئت به. ويجوز أن يكون المعنى: لا يثبتون عليك أنك كاذب؛ لأنه يقال: أكذبته إذا ٱحتججت عليه وبيَّنت أنه كاذب. وعلى التشديد: لا يكذّبونك بحجة ولا برهان؛ ودل على هذا { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }. قال النحاس: والقول في هذا مذهب أبي عبيد، وٱحتجاجه لازم؛ لأن علياً كرم الله وجهه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف؛ وحكى الكسائي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه، وكذّبته إذا أخبرت أنه كاذب؛ وكذلك قال الزجاج: كذّبته إذا قلت له كذبت، وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب.

قوله تعالى: { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ } أي فٱصبر كما صبروا. { وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } أي عوننا، أي فسيأتيك ما وُعِدت به. { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } مبين لذلك النصر؛ أي ما وعد الله عز وجل به فلا يقدر أحد أن يدفعه؛ لا ناقض لحكمه، ولا خلف لوعده؛ و { { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد: 38] { { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر: 51] { { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } } { { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [المجادلة: 21] { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } فاعل «جاءك» مضمر؛ المعنى: جاءك من نبإ المرسلين نبأٌ.