التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٣٩
قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ
٤٠
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
٤١
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ } ٱبتداء وخبر، أي عدِموا الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم؛ فكل أُمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها والكفار لا يهتدون؛ وقد تقدّم في «البقرة». { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } أي ظلمات الكفر. وقال أبو علي: يجوز أن يكون المعنى «صم وبكم» في الآخرة؛ فيكون حقيقة دون مجاز اللغة. { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } دلّ على أنه شاء ضلال الكافر وأراده لينفذ فيه عدله؛ ألا ترى أنه قال: { وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على دين الإسلام لينفذ فيه فضله. وفيه إبطال لمذهب القَدَرية. والمشيئة راجعة إلى الذين كذبوا، فمنهم من يضله ومنهم من يهديه.

قوله تعالىٰ: { قُلْ أَرَأَيْتَكُم } وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين، يلقي حركة الأُولى على ما قبلها، ويأتي بالثانية بَيْن بَيْن. وحكى أبو عُبيد عنه أنه يسقط الهمزة ويعوض منها ألفاً. قال النحاس: وهذا عند أهل العربية غلط عليه؛ لأن الياء ساكنة والألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان. قال مكيّ: وقد روي عن وَرْش أنه أبدل من الهمزة ألفاً؛ لأن الرواية عنه أنه يمدّ الثانية، والمد لا يتمكن إلاَّ مع البدل، والبدل فرع عن الأُصول، والأصل أن تجعل الهمزة بين الهمزة المفتوحة والألف؛ وعليه كل من خفّف الثانية غير وَرْش؛ وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن لأن الأوّل حرف مدّ ولِين، فالمدّ الذي يحدث مع الساكن يقوم مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني.

وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة { أَرَأَيْتَكُم } بتحقيق الهمزتين وأتوا بالكلمة على أصلها، والأصل الهمز؛ لأن همزة الاستفهام دخلت على «رأيت» فالهمزة عين الفعل، والياء ساكنة لاتصال المضمر المرفوع بها.

وقرأ عيسى بن عمر والكسائي { أَرَأَيْتَكُم } بحذف الهمزة الثانية. قال النحاس: هذا بعيد في العربية، وإنما يجوز في الشعر؛ والعرب تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه. ومذهب البصريين أن الكاف والميم للخطاب، لاحظ لهما في الإعراب؛ وهو اختيار الزجاج. ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما، والمعنى أرأيتم أنفسكم؛ فإذا كانت للخطاب ـ زائدة للتأكيد ـ كان «إن» من قوله { إِنْ أَتَاكُمْ } في موضع نصب على المفعول لرأيت، وإذا كان ٱسماً في موضع نصب فـ «ـإن» في موضع المفعول الثاني؛ فالأوّل من رؤية العين لتعدّيها لمفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدّى إلى مفعولين. وقوله: { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } المعنى: أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها. ثم قال: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } والآية في محاجَّة المشركين ممن ٱعترف أن له صانعاً؛ أي أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله، وسترجعون إليه يوم القيامة أيضاً فلم تصرّون على الشرك في حال الرفاهية؟! وكانوا يعبدون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب.

قوله تعالىٰ: { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } «بل» إضراب عن الأوّل وإيجاب للثاني. «إياه» نصب بـ «تدعون» { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } أي يكشف الضرّ الذي تدعون إلى كشفه إن شاء كشفه. { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } قيل: عند نزول العذاب. وقال الحسن: أي تعرضون عنه إعراض الناسِي، وذلك لليأس من النجاة من قِبله إذ لا ضرر فيه ولا نفع. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى وتتركون. قال النحاس: مثل قوله: { { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [طه: 115].