قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } «أَيَّانَ» سؤال عن الزمان؛ مثل متى. قال الراجز:
أيّان تقضِي حاجتي أيّانأما ترى لِنجحِها أوَانَا
وكانت اليهود تقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم. وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار. و «مُرْسَاهَا» في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر «أيان». وهو ظرف مبني على الفتح؛ بني لأن فيه معنى الاستفهام. و «مُرْسَاهَا» بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مُثْبَتُها، أي متى وقوعها. وبفتح الميم من رَسَتْ، أي ثبتت ووقفت؛ ومنه { { وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } [سبأ: 13]. قال قتادة: أي ثابتات. { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد؛ حتى يكون العبد أبداً على حذر { لاَ يُجَلِّيهَا } أي لا يظهرها. { لِوَقْتِهَآ } أي في وقتها { إِلاَّ هُوَ }. والتجلِية: إظهار الشيء؛ يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه. ومعنى { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خفِي علمها على أهل السموات والأرض. وكل ما خفِي علمه فهو ثقيل على الفؤاد. وقيل: كبر مجيئها على أهل السموات والأرض؛ عن الحسن وغيره. ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السموات والأرض. وقال قتادة وغيره: المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضُب. وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها. { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أي فجأة، مصدر في موضع الحال { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } أي عالم بها كثير السؤال عنها. قال ابن فارس: الحفِيّ العالِم بالشيء. والحفِيّ: المستقصي في السؤال. قال الأعشى:فإن تسألي عنِّي فيا رب سائلحَفِيٍّ عن الأعشَى به حيثُ أصْعَدَا
يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محفٍ وحفِي على التكثير، مثل مخصِب وخصيب. قال محمد ابن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفِي بالمسألة عنها، أي ملحٌّ. يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير. وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفِيّ بهم أي حفي ببرهم وفرِح بسؤالهم. وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسِرّ إلينا بوقت الساعة. { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ليس هذا تكريراً، ولكن أحد العِلمين لوقوعها والآخر لكنهها.