التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
٦٥
ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٦٦
-الأنفال

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالىٰ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } أي حُثّهم وحُضّهم. يقال: حارض على الأمر وواظب وواصب وأكبّ بمعنى واحد. والحارض: الذي قد قارب الهلاك؛ ومنه قوله عزّ وجلّ: { { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } [يوسف: 85] أي تذوب غمّاً، فتقارب الهلاك فتكون من الهالكين { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } لفظُ خبر، ضِمْنُه وعْدٌ بشرط؛ لأن معناه إن يصبر منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. وعشرون وثلاثون وأربعون كل واحد منها ٱسم موضوع على صورة الجمع لهذا العدد. ويجري هذا الاسم مجرى فِلسطين. فإن قال قائل: لم كُسر أوّل عشرين وفُتح أوّل ثلاثين وما بعده إلى الثمانين إلاَّ سِتّين؟ فالجواب عند سيبويه أن عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد؛ فكسِر أوّل عشرين كما كسر اثنان. والدليل على هذا قولهم: ستون وتسعون؛ كما قيل: ستة وتسعة. وروى أبو داود عن ٱبن عباس قال: نزلت { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } فشقّ ذلك على المسلمين، حين فرض الله عليهم ألا يفِرّ واحد من عشرة، ثم إنه جاء التخفيف فقال: { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } قرأ أبو تَوبة إلى قوله: { مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ }. قال: فلما خفف الله تعالىٰ عنهم من العدد نقص من الصبر بقدر ما خفّف عنهم. وقال ابن العربيّ: قال قوم إن هذا كان يوم بدر ونُسخ. وهذا خطأ من قائله. ولم يُنقل قطُّ أن المشركين صافوا المسلمين عليها، ولكن الباري جلّ وعزّ فرض ذلك عليهم أوّلاً، وعلق ذلك بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه، وهو الثواب. وهم لا يعلمون ما يقاتلون عليه.

قلت: وحديث ابن عباس يدلّ على أن ذلك فرض. ثم لما شقّ ذلك عليهم حطّ الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين؛ فخفّف عنهم وكتب عليهم ألاّ يفرّ مائة من مائتين؛ فهو على هذا القول تخفيف لا نسخ. وهذا حسن. وقد ذكر القاضي ابن الطيّب أن الحكم إذا نُسخ بعضُه أو بعضُ أوصافه، أو غُيّر عدده فجائز أن يُقال إنه نسخ؛ لأنه حينئذ ليس بالأول، بل هو غيره. وذكر في ذلك خلافاً.