التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٧
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١٨
وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ
٢٠
وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ
٢١
هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٣
-يونس

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } تفاد مما أضافوه إليه كناية، أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله تعالى في قولهم إنه لذو شريك وذو ولد. { أَوْ كَذَّبَ بآيَاتِهِ } فكفر بها. { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } فإنه جماد لا يقدر على نفع ولا ضر، والمعبود ينبغي أن يكون مثيباً ومعاقباً حتى تعود عبادته بجلب نفع أو دفع ضر. { وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء } الأوثان. { شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا أو في الآخرة إن يكن بعث، وكأنهم كانوا شاكين فيه وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضار النافع إلى عبادة ما يعلم قطعاً أنه لا يضر ولا ينفع على توهم أنه ربما يشفع لهم عنده. { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ } أتخبرونه. { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } وهو أن له شريكاً أو هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات لا يكون له تحقق ما وفيه تقريع وتهكم بهم. { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } حال من العائد المحذوف مؤكدة للنفي منبهة على أن ما يعبدون من دون الله إما سماوي وإما أرضي، ولا شيء من الموجودات فيهما إلا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به. { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به. وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أول «النحل» و «الروم» بالتاء. { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } موحدين على الفطرة أو متفقين على الحق، وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيلُ هابيلَ أو بعد الطوفان، أو على الضلال في فترة من الرسل. { فَٱخْتَلَفُواْ } باتباع الهوى والأباطيل، أو ببعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام فتبعتهم طائفة وأصرت أخرى. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء. { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } عاجلاً. { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بإهلاك المبطل وإبقاء المحق.

{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } أي من الآيات التي اقترحوها. { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } هو المختص بعلمه فلعله يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها. { فَٱنتَظِرُواْ } لنزول ما اقترحتموه. { إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل علي من الآيات العظام واقتراحكم غيره.

{ وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } صحة وسعة. { مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ } كقحط ومرض. { إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِى آيَاتِنَا } بالطعن فيها والاحتيال في دفعها. قيل قحط أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم الله بالحيا فطفقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله. { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } منكم قد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدهم، وإنما دل على سرعتهم المفضل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جواباً لإذا الشرطية والمكر اخفاء الكيد، وهو من الله تعالى أما الاستدراج أو الجزاء على المكر. { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } تحقيق للانتقام وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلاً أن يخفى على الله تعالى، وعن يعقوب يمكرون بالياء ليوافق ما قبله.

{ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ } يحملكم على السير ويمكنكم منه. وقرأ ابن عامر «ينشركم» بالنون والشين من النشر. { فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } في السفن، { وَجَرَيْنَ بِهِم } بمن فيها، عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم. { بِرِيحٍ طَيّبَةٍ } لينة الهبوب. { وَفَرِحُواْ بِهَا } بتلك الريح. { جَاءتْهَا } جواب إذا والضمير للفلك أو للريح الطيبة، بمعنى تلقتها. { رِيحٌ عَاصِفٌ } ذات عصف شديدة الهبوب. { وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ } يجيء الموج منه. { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } أهلكوا وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدو. { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } من غير اشتراك لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدة الخوف، وهو بدل من { ظَنُّواْ } بدل اشتمال لأن دعاءهم من لوازم ظنهم. { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على إرادة القول أو مفعول { دَّعَوَا } لأنه من جملة القول.

{ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ } إجابة لدعائهم. { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ } فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه. { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة واحتراق زروعهم وقلع أشجارهم فإنها إفساد بحق. { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } فإن وباله عليكم أو أنه على أمثالكم أبناء جنسكم. { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } منفعة الحياة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها، ورفعه على أنه خبر { بَغْيُكُمْ } و { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } صلته، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك متاع الحياة الدنيا و { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } خبر { بَغْيُكُمْ }، ونصبه حفص عى أنه مصدر مؤكد أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول البغي لأنه بمعنى الطلب فيكون الجار من صلته والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحياة الدنيا محذور أو ضلال، أو مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبره. { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } في القِيامة. { فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } بالجزاء عليه.