التفاسير

< >
عرض

هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٥٦
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٥٧
قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٥٨
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ
٥٩
وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٦٠
-يونس

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ } في الدنيا فهو يقدر عليهما في العقبى لأن القادر لذاته لا تزول قدرته، والمادة القابلة بالذات للحياة والموت لهما أبداً. { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } بالموت أو النشور.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين، حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإِيمان، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان، والتنكير فيها للتعظيم.

{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } بإنزال القرآن، والباء متعلقة بفعل يفسره قوله: { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } فإن اسم الإشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا أو فليفرحوا فبذلك فليفرحوا، وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الإجمال وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه { قَدْ جَاءتْكُم }، وذلك إشارة إلى مصدره أي فبمجيئها فليفرحوا والفاء بمعنى الشرط كأنه قيل: إن فرحوا بشيء فيهما فليفرحوا أو للربط بما قبلها، والدلالة على أن مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب للفرح وتكريرها للتأكيد كقوله:

وَإِذَا هَلَكْـتُ فَعِنْـدَ ذَلِـكَ فَـاجْـزَعِـي

وعن يعقوب «فلتفرحوا» بالتاء على الأصل المرفوض، وقد روي مرفوعاً ويؤيده أنه قرىء «فافرحوا». { هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } من حطام الدنيا فإنها إلى الزوال قريب وهو ضمير ذلك. وقرأ ابن عامر تجمعون بالتاء على معنى فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعونه أيها المخاطبون.

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ } جعل الرزق منزلاً لأنه مقدر في السماء محصل بأسباب منها، وما في موضع النصب بـ { أَنَزلَ } أو بـ { أَرَءيْتُمْ } فإنه بمعنى أخبروني، ولكم دل على أن المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض فقال: { فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً } مثل: { هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } [الأنعام: 138] { { مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] { قُلِ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } في التحريم والتحليل فتقولون ذلك بحكمه. { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } في نسبة ذلك إليه ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة بـ { أَرَءيْتُمْ } وقل مكرر للتأكيد وأن يكون الاستفهام للإِنكار، و { أَمْ } منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير لافترائهم على الله.

{ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي شيء ظنهم. { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أيحسبون أن لا يجازوا عليه، وهو منصوب بالظن ويدل عليه أنه قرىء بلفظ الماضي لأنه كائن، وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } هذه النعمة.