التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
٦٦
وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٦٧
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ
٦٨
وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
٦٩
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ
٧٠
وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
٧١
-هود

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَـٰلِحاً وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ } أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة. وعن نافع { يَوْمَئِذٍ } بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي «المعارج» في قوله: { مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } [المعارج: 11] { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } القادر على كل شيء والغالب عليه.

{ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } قد سبق تفسير ذلك في سورة «الأعراف».

{ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ } نَوَنَّهُ أبو بكر ها هنا وفي «النجم» والكسائي في جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله: { أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ } ذهاباً إلى الحي أو الأب الأكبر.

{ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ } يعني الملائكة، قيل: كانوا تسعة، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل. { بِٱلْبُشْرَىٰ } ببشارة الولد. وقيل بهلاك قوم لوط. { قَالُواْ سَلاَماً } سلمنا عليك سلاماً ويجوز نصبه بـ { قَالُواْ } على معنى ذكروا سلاماً. { قَالَ سَلَـٰمٌ } أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام، رفعه إجابة بأحسن من تحيتهم. وقرأ حمزة والكسائي «سلم» وكذلك في «الذاريات» وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح. { فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } فما أبطأ مجيئه به، أو فما أبطأ في المجيء به، أو فما تأخر عنه والجار في { أن } مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف. وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرفته بالجلال لقوله: { { بِعِجْلٍ سَمِينٍ }

[الذاريات: 26] { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ } لا يمدون إليه أيديهم. { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروهاً، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإِيجاس الإِدراك وقيل الإِضمار { قَالُواْ } له لما أحسوا منه أثر الخوف. { لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل.

{ وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ } وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة. { فَضَحِكَتْ } سروراً بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإِبراهيم: اضمم إليك لوطاً فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم. وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر:

وَعَهْدِي بِسَلْمَى ضَاحِكَاً فِي لُبَابَة وَلَمْ يَعْدُ حُقَاً ثَدْيُهَا أَنْ تَحَلَّمَا

ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرىء بفتح الحاء. { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره: ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب. وقيل إنه معطوف على موضع { بِإِسْحَـٰقَ } أو على لفظ { إِسْحَـٰقَ }، وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف. وقرأ الباقون بالرفع على أنه مبتدأ.

وخبره الظرف أي و { يَعْقُوبَ } مولود من بعده. وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون إضافته إلى { إِسْحَـٰقَ } ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه، بل من حيث أنه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى، ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به، وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد.