التفاسير

< >
عرض

مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ
٥
وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
٦
لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٧
مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ
٨
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٩
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ
١٠
-الحجر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ } أي وما يستأخرون عنه، وتذكير ضمير { أُمَّةٍ } فيه للحمل على المعنى.

{ وَقَالُواْ يا أَيُّهَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } نادوا به النبي صلى الله عليه وسلم على التهكم، ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم. { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } ونظير ذلك قول فرعون: { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27] والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى نزل عليك الذكر، أي القرآن.

{ لَّوْ مَا تَأْتِينَا } ركب { لَوْ } مع { مَا } كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض. { بِٱلْمَلَـئِكَةِ } ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى: { لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [الفرقان: 7] أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل. { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في دعواك.

{ مَا يُنَزِّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } بالياء ونصب { ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } على أن الضمير لله تعالى. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبناء للمفعول ورفع { ٱلْمَلَـٰئِكَةَ }. وقرىء { تنَزل } بمعنى تتنزل. { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } إلا تنزيلاً ملتبساً بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته، ولا حكمة في أن تأتيكم بصور تشاهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبساً، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإن منكم ومن ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإِيمان. وقيل الحق الوحي أو العذاب. { وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ } { إِذَاً } جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين.

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } رد لإِنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وقرره بقوله: { وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزاً مبايناً لكلام البشر، بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان، أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له. وقيل الضمير في { لَهُ } للنبي صلى الله عليه وسلم.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } في فرقهم، جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه، وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار، والمعنى نبأنا رجالاً فيهم وجعلناهم رسلاً فيما بينهم.