التفاسير

< >
عرض

صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ
١
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢
كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ
٣
وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
٤
أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وآيها ست أو ثمان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ص } وقرىء بالكسر لالتقاء الساكنين، وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة، ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك، وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه، أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب. { وَٱلْقُرْءانِ ذِى الذَّكْرِ } الواو للقسم إن جعل { ص } اسماً للحرف أو مذكور للتحدي، أو للرمز بكلام مثل صدق محمد عليه الصلاة والسلام، أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر، وللعطف إن جعل مقسماً به كقولهم: الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في { ص } من الدلالة على التحدي، أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به، أو إن محمداً صادق أو قوله:

{ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } به. { فِى عِزَّةٍ } أي استكبار عن الحق. { وَشِقَاقٍ } خلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به، وعلى الأولين الإِضراب أيضاً من الجواب المقدر ولكن من حيث إشعاره بذلك والمراد بالذكر العظة أو الشرف والشهره، أو ذكر ما يحتاج اليه في الدين من العقائد والشرائع والمواعيد، والتنكير في { عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } للدلالة على شدتهما، وقرىء في «غرة» أي غفلة عما يجب عليهم النظر فيه.

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } وعيد لهم على كفرهم به استكباراً وشقاقاً. { فَنَادَوْاْ } استغاثة أو توبة أو استغفاراً. { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } أي ليس الحين حين مناص، ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب، وثم خصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين، وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم، وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص، وقرىء بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر أي ليس حين مناص حاصلاً لهم، أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله:

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوان فَأَجَبْنَا أَنَّ لاَتَ حِينَ بَقَاءِ

إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر في قوله:

لَوْلاَكَ هَذَا العَامُ لَمْ أَحْجُج

أو لأن أوان شبه بإذ لأنه مقطوع عن الإِضافة إذ أصله أوان صلح، ثم حمل عليه { مَنَاصٍ } تنزيلاً لما أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد، إذ أصله يحن مناصهم ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن { وَّلاَتَ } بالكسر كجير، وتقف الكوفية عليها بالهاء كالأسماء والبصرية بالتاء كالأفعال. وقيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الامام ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس إذ مثله لم يعهد فيه، والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ولقوله:

العَاطِفُونَ تَحِينَ لاَ مِنْ عَاطِف وَالُمْطعُمونَ زَمَانَ مَا مِنْ مُطْعمِ

والمناص المنجا من ناصه ينوصه إذا فاته.

{ وَعَجِبُواْ أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ } بشر مثلهم أو أمي من عدادهم. { وَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضباً عليهم وذماً لهم، وإشعاراً بأن كفرهم جسرهم على هذا القول. { هَـٰذَا سَـٰحِرٌ } فِيمَا يظهره معجزة. { كَذَّابٌ } فيما يقوله على الله تعالى.

{ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً } بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد. { إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ } بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا، وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة، وقرىء مشدداً وهو أبلغ ككرام وكرام. وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش، فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا يسألونني، فقالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال: "أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم" ، فقالوا: نعم وعشراً، فقال: "قولوا لا إله إلا الله" ، فقاموا وقالوا ذلك.