التفاسير

< >
عرض

وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١٣
قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١٥
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٢٠
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٢١
-الجاثية

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } بأن خلقها نافعة لكم. { مِنْهُ } حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه، أو خبر لمحذوف أي هي جميعاً منه، أو لـ { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } { وَسَخَّرَ لَكُمُ } تكرير للتأكيد أو لـ { مَّا فِى ٱلأَرْضِ }، وقرىء منه على المفعول له ومنه على أنه فاعل { سَخَّرَ } على الإِسناد المجازي أو خبر محذوف. { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في صنائعه.

{ قُل لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ } حذف المقول لدلالة الجواب عليه، والمعنى قل لهم اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا. { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } لاَ يتوقعون وقائعه بأعدائه من قولهم أيام العرب لوقائعهم، أو لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤمنين وثوابهم ووعدهم بها. والآية نزلت في عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهم أن يبطش به، وقيل إنها منسوخة بآية القتال. { لِيَجْزِىَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } علة للأمر، والقوم هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التنكير للتعظيم أو التحقير أو الشيوع، والكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «لنجزي» بالنون وقرىء « لِيَجْزِىَ» قوم «وليجزي قوماً» أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء، أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف.

{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } أي لها ثواب العمل وعليها عقابه. { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } فَيجازيكم على أعمالكم.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة. { وَٱلْحُكْمَ } والحكمة النظرية والعملية أو فصل الخصومات. { وَٱلنُّبُوَّةَ } إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثروا في غيرهم. { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } مما أحل الله من اللذائذ. { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم.

{ وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } أدلة في أمر الدين ويندرج فيها المعجزات. وقيل آيات من أمر النبي عليه الصلاة والسلام مبينة لصدقه. { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في ذلك الأمر. { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } بحقيقة الحال. { بَغْياً بَيْنَهُمْ } عداوة وحسداً. { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بالمؤاخذة والمجازاة.

{ ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ } طريقة { مِنَ ٱلأَمْرِ } من أمر الدين. { فَٱتَّبِعْهَا } فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج. { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } آراء الجهال التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك.

{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } مما أراد بك. { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالهم باتباع أهوائهم. { وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ } فواله بالتقى واتباع الشريعة.

{ هَـٰذَا } أي القرآن أو اتباع الشريعة. { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } بينات تبصرهم وجه الفلاح. { وَهَدَىٰ } من الضلالة. { وَرَحْمَةٌ } وَنعمة من الله. { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يطلبون اليقين.

{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة. { أَن نَّجْعَلَهُمْ } أن نصيرهم. { كَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } مثلهم وهو ثاني مفعولي نجعل وقوله: { سَوَاءً مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } بدل منه إن كان الضمير للموصول الأول لأن المماثلة فيه إذ المعنى انكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيـين في البهجة والكرامة كما هو للمؤمنين، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص { سَوَآء } بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف، أو المفعولية والكاف حال وإن كان للثاني فحال منه أو استئناف يبين المقتضى للانكار، وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني، وضمير الأول والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة، أو استئناف مقرر لتساوي محيا كل صنف ومماته في الهدى والضلال، وقرىء«مَمَاتَهُمْ» بالنصب على أن { مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } ظرفان كمقدم الحاج. { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ساء حكمهم هذا أو بئس شيئاً حكموا به ذلك.