التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
١٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٣
أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٥
-الأحقاف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي القرآن. { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } وقد كفرتم به، ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ } إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله، والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول عليه الصلاة والسلام. { عَلَىٰ مِثْلِهِ } مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له، أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله. { فَـئَامَنَ } أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقاً للحق. { وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإِيمان. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم، ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } لأجلهم. { لَّوْ كَانَ } الإِيمان أو ما أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. { خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وهم سقاط إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة، وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار، أو اليهود حين أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه. { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله: { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } مسبب عنه وهو كقولهم: أساطير الأولين. { وَمِن قَبْلِهِ } وَمَن قَبل القرآن وهو خبر لقوله: { كِتَابُ مُوسَىٰ } ناصب لقوله: { إَمَامًا وَرَحْمَةً } على الحال. { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدّقٌ } لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرىء به. { لّسَاناً عَرَبِيّاً } حال من ضمير { كِتَابٌ } في { مُّصَدّقُ } أو منه لتخصصه بالصفة، وعاملها معنى الإِشارة وفائدتها الإِشعار بالدلالة على أن كونه مصدقاً للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله سبحانه وتعالى. وقيل مفعول { مُّصَدّقُ } أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه. { لّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } علة { مُّصَدّقُ }، وفيه ضمير الكتاب أو الله أو الرسول، ويؤيد الأخير قراءة نافع وابن عامر والبزي بخلاف عنه ويعقوب بالتاء { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } عطف على محله.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } جَمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والإِستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل، وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد. { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من لحوق مكروه. { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على فوات محبوب، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.

{ أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من اكتساب الفضائل العلمية والعملية، وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء.

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } وقرأ الكوفيون «إحساناً»، وقرىء { حَسَنًا } أي إيصاء { حَسَنًا }. { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } ذات كره أو حملاً ذا كره وهو المشقة، وقرأ الحجازيان وأبو عمرو وهشام بالفتح وهما لغتان كالفُقُر والفَقُر. وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر. { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ } ومدة { حَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ }، والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب «وفصله» أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة، قال:

كُلُّ حَيٍّ مُسْتَكْمِل عِدَّةَ العُمــ ــــرِ وَمَــود إِذَا انْتَهَى أَمَدّهُ

{ ثَلاَثُونَ شَهْراً } كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها، وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه إذا حط منه الفصال حولان لقوله تعالى: { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233] بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما. { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله. { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين. { قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى } ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا. { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَالِدَىَّ } يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها، وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه. { وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } نكرة للتعظيم أو لأنه أراد نوعاً من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل. { وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى } واجعل لي الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم ونحوه قوله:

وَإِنْ تَعْتَذِرْ بالمَحل عَنْ ذِي ضُرُوعِهَا إِلَى الضَيْفِ يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبهَا نَصْلي

{ إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ } عما لا ترضاه أو يشغل عنك. { وَإِنّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } المخلصين لك.