التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٤٦
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤٧
وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ
١٤٨
وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
١٤٩
-الأعراف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء } مما يحتاجون إليه من أمر الدين. { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } بدل من الجار والمجرور، أي وكتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام. واختلف في أن الألواح كانت عشرة أو سبعة، وكانت من زمرد أو زبرجد، أو ياقوت أحمر أو صخرة صماء لينها الله لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه وكان فيها التوراة أو غيرها. { فَخُذْهَا } على إضمار القول عطفاً على كتبنا أو بدل من قوله: { فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ } والهاء للألواح أو لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء أو للرسالات. { بِقُوَّةٍ } بجد وعزيمة. { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالإضافة إلى الانتصار، والاقتصاص على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله تعالى: { { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ } [الزمر: 55] أو بواجباتها فإن الواجب أحسن من غيره، ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقاً لا بالإضافة، وهو المأمور به كقولهم الصيف أحر من الشتاء. { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها، أو منازل عاد وثمود وأضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا، أو دارهم في الآخرة وهي جهنم. وقرىء سأوريكم بمعنى سأبين لكم من أوريت الزند وسأورثكم، ويؤيده قوله: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ }

[الأعراف: 137] { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِي } المنصوبة في الآفاق والأنفس. { ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ } بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وقيل سأصرفهم عن ابطالها وإن اجتهدوا كما فعل فرعون فعاد عليه بإعلائها أو بإهلاكهم. { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } صلة يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل، أو حال من فاعله. { وَإِنْ يَرَوا كُلَّ آيَةٍ } منزلَة أو معجزة. { لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } لعنادهم واختلال عقولهم بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد وهو يؤيد الوجه الأول. { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } لاستيلاء الشيطنة عليهم. وقرأ حمزة والكسائي "الرَّشَد" بفتحتين وقرىء «الرشاد» وثلاثتها لغات كالسقم والسقم والسقام، { وَإِنْ يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات، ويجوز أن ينصب ذلك على المصدر أي سأصرف ذلك الصرف بسببهما.

{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَلِقَاء ٱلأَخِرَةِ } أي ولقائهم الدار الآخرة، أو ما وعد الله في الدار الآخرة. { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } لا ينتفعون بها. { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إلا جزاء أعمالهم.

{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } من بعد ذهابه للميقات. { مِنْ حُلِيّهِمْ } التي استعاروا من القبط حين هموا بالخروج من مصر، وإضافتها إليهم لأنها كانت في أيديهم أو ملكوها بعد هلاكهم. وهو جمع حلي كثدي وثدي. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر بالاتباع كدلي ويعقوب على الإِفراد. { عِجْلاً جَسَداً } بدنا ذا لحم ودم، أو جسداً من الذهب خالياً من الروح ونصبه على البدل. { لَّهُ خُوَارٌ } صوت البقر. روي أن السامري لما صاغ العجل ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل فصار حياً. وقيل صاغه بنوع من الحيل فتدخل الريح جوفه وتصوت، وإنما نسب الاتخاذ إليهم وهو فعله إما لأنهم رضوا به أو لأن المراد اتخاذهم إياه إلهاً. وقرىء «جؤار» أي صياح. { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر، والمعنى ألم يروا حين اتخذوه إلهاً أنه لا يقدر على كلام ولا على إرشاد سبيل كآحاد البشر حتى حسبوا أنه خالق الأجسام والقوى والقدر. { ٱتَّخَذُوهُ } تكرير للذم أي اتخذوه إلهاً. { وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } واضعين الأشياء في غير مواضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعاً منهم.

{ وَلَمَّا سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ } كناية عن اشتداد ندمهم فإن النادم المتحسر يعض يده غماً فتصير يده مسقوطاً فيها. وقرىء { سُقِطَ } على بناء الفعل للفاعل بمعنى وقع العض فيها. وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم. { وَرَأَوُاْ } وعلموا. { أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } باتخاذ العجل. { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } بإنزال التوراة. { وَيَغْفِرْ لَنَا } بالتجاوز عن الخطيئة. { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } وقرأهما حمزة والكسائي بالتاء و { رَبَّنَا } على النداء.