التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٥٧
وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
٥٨
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٥٩
قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٦٠
-الأعراف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } بالكفر والمعاصي. { بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } ببعث الأنبياء وشرع الأحكام. { وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } ذوي خوف من الرد لقصور أَعمالكم وعدم استحقاقكم، وطمع في إجابته تفضلاً وإحساناً لفرط رحمته { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به للإِجابة، وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم، أو لأنه صفة محذوف أي أمر قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول، أو الذي هو مصدر كالنقيض، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره.

{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ } وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «الريح» على الوحدة. { نُشْراً } جمع نشور بمعنى ناشر، وقرأ ابن عامر «نشراً» بالتخفيف حيث وقع وحمزة والكسائي «نشراً» بفتح النون حيث وقع على أنه مصدر في موقع الحال بمعنى ناشرات، أو مفعول مطلق فإن الإِرسال والنشر متقاربان. وعاصم { بشراً } وهو تخفيف بشر جمع بشير وقد قرىء به و { بشراً } بفتح الباء مصدر بشره بمعنى باشرات، أو للبشارة وبشرى. { بَيْنَ يَدَي رَحْمَتِهِ } قدام رحمته، يعني المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه. { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ } أي حملت، واشتقاقه من القلة فإن المقل للشيء يستقله. { سَحَاباً ثِقَالاً } بالماء جمعه لأن السحاب جمع بمعنى السحائب. { سُقْنَاهُ } أي السحاب وإفراد الضمير باعتبار اللفظ. { لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } لأجله أو لإحيائه أو لسقيه. وقرىء { ميت }. { فَأَنْزَلْنَا بِهِ الماءُ } بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق أو بالريح وكذلك. { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } ويحتمل فيه عود الضمير إلى { الماء }، وإذا كان لـ { لبلد } فالباء للإلصاق في الأول وللظرفية في الثاني، وإذا كان لغيره فهي للسببية فيهما. { مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } من كل أنواعها. { كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى } الإشارة فيه إلى إخراج الثمرات، أو إلى إحياء البلد الميت أي كما نحييه بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات، نخرج الموتى من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس. { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على هذا.

{ وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ } الأرض الكريمة التربة. { يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } بمشيئته وتيسيره، عبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه لأنه أوقعه في مقابلة. { وَالَّذِي خَبُثَ } أي كالحرة والسبخة. { لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } قليلاً عديم النفع، ونصبه على الحال وتقدير الكلام، والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكداً فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعاً مستتراً وقرىء { يخرج } أي يخرجه البلد فيكون { إلا نكداً } مفعولاً و { نكداً } على المصدر أي ذا نكد و { نكداً } بالإِسكان للتخفيف. { كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ } نرددها ونكررها. { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها، والآية مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها، ولمن لم يرفع إليها رأساً ولم يتأثر بها.

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ } جواب قسم محذوف، ولا تكاد تطلق هذه اللام إلا مع قد لأنها مظنة التوقع، فإن المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها. ونوح بن لمك بن متوشلح بن إدريس أول نبي بعده، بعث وهو ابن خمسين سنة أو أربعين. { فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله } أي اعبدوه وحده لقوله تعالى: { مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ } وقرأ الكسائي غيره بالكسر نعتاً أو بدلاً على اللفظ حيث وقع إذا كان قبل إله من التي تخفض. وقرىء بالنصب على الاستثناء. { إني أخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } إن لم تؤمنوا، وهو وعيد وبيان للداعي إلى عبادته. واليوم يوم القيامة، أو يوم نزول الطوفان.

{ قَالَ الملأُ مِنْ قَوْمِهِ } أي الأَشراف فإنهم يملؤون العيون رواء. { إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلاَلٍ } زوال عن الحق. { مُبِينٍ } بين.