التفاسير

< >
عرض

ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩
لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ
١٠
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
١١
وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
١٢
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ
١٣
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
١٤
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
-التوبة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ٱشْتَرَوْاْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } استبدلوا بالقرآن. { ثَمَناً قَلِيلاً } عرضاً يسيراً وهو اتباع الأهواء والشهوات. { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ } دينه الموصل إليه، أو سبيل بيته بحصر الحجاج والعمار، والفاء للدلالة على أن اشتراءهم أداهم إلى الصد. { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } عملهم هذا أو ما دل عليه قوله.

{ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } فهو تفسير لا تكرير. وقيل الأول عام في الناقضين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود، أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم. { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } في الشرارة.

{ فَإِن تَابُواْ } عن الكفر. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدّينِ } فهم إخوانكم في الدين لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. { وَنُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } اعتراض للحث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين أو خصال التائبين.

{ وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإِيمان أو الوفاء بالعهود. { وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام. { فقَاتَلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } أي فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل. وقيل المراد بالأئمة رؤساء المشركين فالتخصيص إما لأن قتلهم أهم وهم أحق به أو للمنع من مراقبتهم. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي و "رُوحُ" عن يعقوب أئمة بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن. { إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ } أي لا أيمان لهم على الحقيقة وإلا لما طعنوا ولم ينكثوا، وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإِسلام فقد نكث عهده، واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر ليست يميناً وهو ضعيف لأن المراد نفي الوثوق عليها لا أنها ليست بأيمان لقوله تعالى؛ { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } وقرأ ابن عامر لا أيمان لهم بمعنى لا أمان أو لا إسلام، وتشبث به من لم يقبل توبة المرتد وهو ضعيف لجواز أن يكون بمعنى لا يؤمنون على الإِخبار عن قوم معينين أو ليس لهم إيمان فيراقبوا لأجله. { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } متعلق بـ "فَقَـٰتِلُواْ" أي ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عما هم عليه لا إيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين.

{ أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً } تحريض على القتال لأن الهمزة دخلت على النفي للإنكار فأفادت المبالغة في الفعل. { نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } التي حلفوها مع الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة. { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } حين تشاوروا في أمره بدار الندوة على ما مر ذكره في قوله: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الأنفال: 30] وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة. { وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بالمعاداة والمقاتلة لأنه عليه الصلاة والسلام بدأهم بالدعوة وإلزام الحجة بالكتاب والتحدي به، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم. { أَتَخْشَوْنَهُمْ } أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم. { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } فقاتلوا أعداءكم ولا تتركوا أمره. { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فإن قضية الإِيمان أن لا يخشى إلا منه.

{ قَـٰتِلُوهُمْ } أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعيد عليه. { يُعَذّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم. { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } يعني بني خزاعة. وقيل بطوناً من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديداً فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبشروا فإن الفرج قريب"

{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات. { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاء } ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ذلك أيضاً، وقرىء { وَيَتُوبَ } بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين. { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما كان وما سيكون. { حَكِيمٌ } لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة.