التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ
٢١
هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٣
-يونس

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى أنه إِذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم؛ كالرخاء بعد الشدة، والخصب بعد الجدب، والمطر بعد القحط، ونحو ذلك، { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِىۤ ءايَـٰتِنَا } قال مجاهد: استهزاء وتكذيب؛ كقوله: { { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا } [يونس: 12] الآية، وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح على أثر سماء كانت من الليل، أي: مطر، ثم قال: "هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب" وقوله: { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } أي: أشد استدراجاً وإِمهالاً، حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب، وإِنما هو في مهلة، ثم يؤخذ على غرة منه، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله، ويحصونه عليه، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة، فيجازيه على الجليل والحقير، والنقير والقطمير.

ثم أخبر تعالى أنه { هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي: يحفظكم ويكلؤكم بحراسته { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } أي: بسرعة سيرهم رافقين، فبينما هم كذلك إذ { جَآءَتْهَا } أي: تلك السفن { رِيحٌ عَاصِفٌ } أي: شديدة { وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } أي: اغتلم البحر عليهم { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } أي: هلكوا { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي: لا يدعون معه صنماً ولا وثناً، بل يفردونه بالدعاء والابتهال؛ كقوله تعالى: { { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّـٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ كَفُورًا } [الإسراء: 67] وقال ههنا: { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ } أي: هذه الحال { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } أي: لا نشرك بك أحداً، ولنفردنك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء ههنا، قال الله تعالى: { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ } أي: من تلك الورطة، { { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أي: كأن لم يكن من ذلك شيء كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } [يونس: 12] ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي: إِنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم، ولا تضرون به أحداً غيركم؛ كما جاء في الحديث: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم" وقوله: { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي: إِنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة، { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } أي: مصيركم ومآلكم { فَنُنَبِّئُكُمْ } أي: فنخبركم بجميع أعمالكم، ونوفيكم إِياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إِلا نفسه.