يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، قيل: كهذه الأيام، وقيل: كل يوم كألف سنة مما تعدون؛ كما سيأتي بيانه. ثم على استوى العرش، والعرش أعظم المخلوقات وسقفها. قال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعداً الطائي يقول: العرش ياقوتة حمراء، وقال وهب بن منبه: خلقه الله من نوره، وهذا غريب. وقوله: {يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ} أي: يدبر أمر الخلائق
{ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [سبأ: 3] ولا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير في الجبال والبحار والعمران والقفار { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6] الآية { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59] وقال الدراوردي عن سعد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة أنه قال حين نزلت هذه الآية: {إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ} الآية، لقيهم ركب عظيم لا يرون إلا أنهم من العرب، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: من الجن، خرجنا من المدينة، أخرجتنا هذه الآية. رواه ابن أبي حاتم. وقوله: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} كقوله تعالى: { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة: 55] وكقوله تعالى: { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [النجم: 26] وقوله: { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ: 23] وقوله: {ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي: أفردوه بالعبادة وحده لا شريك له {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي: أيها المشركون في أمركم؟ تعبدون مع الله إلهاً غيره، وأنتم تعلمون أنه المتفرد بالخلق كقوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف: 87] وقوله: { { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [المؤمنون:86-87] وكذا الآية التي قبلها والتي بعدها.