هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق، واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وعلواً وتكبراً وعتواً، قال موسى: {رَبَّنَآ إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً} أي: من أثاث الدنيا ومتاعها {وَأَمْوَالاً} أي: جزيلة كثيرة {فِى} هذه {ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} بفتح الياء، أي: أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم؛ استدراجاً منك لهم؛ كقوله تعالى:
{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه: 131] وقرأ آخرون بضم الياء، أي: ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك؛ ليظن من أغويته أنك إنما أعطيتهم هذا لحبك إياهم، واعتنائك بهم {رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ} قال ابن عباس ومجاهد: أي: أهلكها، وقال الضحاك وأبو العالية والربيع بن أنس: جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما كانت، وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة، وقال محمد بن كعب القرظي: جعل سكرهم حجارة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكير عن أبي معشر، حدثني محمد بن قيس: أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز حتى بلغ: {وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} إلى قوله: {رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ} الآية، فقال عمر: يا أبا حمزة أي شيء الطمس؟ قال: عادت أموالهم كلها حجارة، فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له: ائتني بكيس، فجاءه بكيس، فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة. وقوله:
{ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [يونس: 88] قال ابن عباس: أي: اطبع عليها { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ} وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح عليه السلام فقال: { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26-27] ولهذا استجاب الله تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدعوة التي أمن عليها أخوه هارون، فقال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} قال أبو العالية وأبو صالح وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس: دعا موسى، وأمن هارون، أي: قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير آل فرعون، وقد يحتج بهذه الآية من يقول: إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ينزل منزلة قراءتها؛ لأن موسى دعا، وهارون أمن، وقال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا} الآية، أي: كما أجيبت دعوتكما، فاستقيما على أمري. قال ابن جريج عن ابن عباس: فاستقيما: فامضيا لأمري، وهي الاستقامة. قال ابن جريج: يقولون: إِن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة، وقال محمد بن علي بن الحسين: أربعين يوماً.