يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام: أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة: { ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } أي: بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سيرها، وهو رسوّها، وقرأ أبو رجاء العطاردي: { بسم اللَّهِ مُجْرِيها ومُرْسِيها } وقال الله تعالى:
{ { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } [المؤمنون 28-29] ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور؛ عند الركوب على السفينة، وعلى الدابة؛ كما قال تعالى: { { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } [الزخرف:12-14] الآية، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه؛ كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، قالا: حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله الملك { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } - الآية - { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }" وقوله: { إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين، فذكر أنه غفور رحيم؛ كقوله:
{ { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [الرعد: 165] وقال: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إلى غير ذلك من الآيات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه. وقوله: { وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } أي: السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على رؤوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعاً، وقيل: بثمانين ميلاً، وهذه السفينة جارية على وجه الماء، سائرة بإذن الله، وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه؛ كما قال تعالى: { { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } [الحاقة: 11-12] وقال تعالى: { { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر:13-15]. وقوله: { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } الآية، هذا هو الابن الرابع، واسمه يام، وكان كافراً، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم، ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون { قَالَ سَآوِىۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ } وقيل: إنه اتخذ له مركباً من زجاج، وهذا من الإسرائيليات، والله أعلم بصحته، والذي نص عليه القرآن أنه قال: { سَآوِىۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس جبل، لنجاه ذلك من الغرق، فقال له أبوه نوح عليه السلام: { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ } أي: ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله، وقيل: إن عاصماً بمعنى معصوم؛ كما يقال: طاعم وكاس، بمعنى مطعوم ومكسو { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }.