التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
٨٨
-هود

تفسير القرآن العظيم

يقول لهم: هل رأيتم يا قوم إِن كنت { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى } أي: على بصيرة فيما أدعو إِليه { وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } قيل: أراد النبوة، وقيل: أراد الرزق الحلال، ويحتمل الأمرين، وقال الثوري: { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } أي: لا أنهاكم عن الشيء، وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم؛ كما قال قتادة في قوله: { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } يقول: لم أكن أنهاكم عن أمر وأرتكبه { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ } أي: فيما آمركم وأنهاكم، إنما أريد إِصلاحكم جهدي وطاقتي { وَمَا تَوْفِيقِىۤ } أي: في إصابة الحق فيما أريده { إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي: أرجع. قاله مجاهد وغيره. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه: أن أخاه مالكاً قال: يا معاوية إِن محمداً أخذ جيراني، فانطلق إِليه، فإِنه قد كلمك وعرفك، فانطلقت معه فقال: دع لي جيراني، فقد كانوا أسلموا، فأعرض عنه، فقام مُتَمَعَطاً فقال: أما والله لئن فعلت، إِن الناس يزعمون أنك لتأمرنا بالأمر، وتخالف إِلى غيره، وجعلت أجرُّه وهو يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ماتقول؟" فقال: إنك والله لئن فعلت ذلك، إن الناس ليزعمون أنك لتأمر بالأمر، وتخالف إلى غيره، قال: فقال: "أو قد قالوها؟ - أي: قائلهم - ولئن فعلت ما ذاك إِلا عليَّ، وما عليهم من ذلك من شيء، أرسلوا له جيرانه" وقال أيضاً: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناساً من قومي في تهمة، فحبسهم، فجاء رجل من قومي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: يا محمد علام تحبس جيراني؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إِن ناساً ليقولون: إِنك تنهى عن الشيء، وتَسْتَخْلِي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تقول؟" قال: فجعلت أعرض بينهما كلاماً؛ مخافة أن يسمعها، فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبداً، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فهِّمها فقال: "قد قالوها، أو قائلها منهم، والله لو فعلت، لكان عليّ، وما كان عليهم، خَلُّوا عن جيرانه" ومن هذا القبيل الحديثُ الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولون عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال: "إِذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه" إِسناده صحيح. وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث: "إِذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إِني أسألك من فضلك" ومعناه والله أعلم: مهما بلغكم عني من خير، فأنا أولاكم به. ومهما يكن من مكروه، فأنا أبعدكم منه { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } وقال قتادة: عن عزرة عن الحسن العُرَني عن يحيى بن البزار عن مسروق قال: جاءت امرأة إِلى ابن مسعود، فقالت: تنهى عن الواصلة؟ قال: نعم، قالت: فعله بعض نسائك، فقال: ما حفظت وصية العبد الصالح إِذاً { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ }. وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير عن أبي سليمان الضَّبِّيِّ قال: كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي، فيكتب في آخرها: وما كنت من ذلك إِلا كما قال العبد الصالح: { وَمَا تَوْفِيقِىۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }.