يقول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي: عبرة ومواعظ للسائلين عن ذلك، المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } أي: حلفوا فيما يظنون: والله ليوسف وأخوه، يعنون: بنيامين، وكان شقيقه لأمه { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي: جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة؟ { إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ } يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا.
واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى:
{ { قُولُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } [البقرة: 136] وهذا فيه احتمال؛ لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم: الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً؛ لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم، { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم، أعدموه من وجه أبيكم؛ ليخلو لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه، أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحوا منه، وتخلوا أنتم بأبيكم { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَـٰلِحِينَ } فأضمروا التوبة قبل الذنب { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } قال قتادة ومحمد بن إسحاق: وكان أكبرهم، واسمه روبيل. وقال السدي: الذي قال ذلك يهوذا. وقال مجاهد: هو شمعون الصفا { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } أي: لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله؛ لأن الله تعالى كان يريد منه أمراً لا بد من إمضائه وإتمامه؛ من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب، وهو أسفله. قال قتادة: وهي بئر بيت المقدس { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } أي: المارة من المسافرين، فتستريحوا منه بهذا، ولا حاجة إلى قتله { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } أي: إن كنتم عازمين على ما تقولون. قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه، على كبر سنه ورقة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم، وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمراً عظيماً. رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه.