يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب: يوسف هارب، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت، فلحقته في أثناء ذلك، فأمسكت بقميصه من ورائه، فقدَّتْه قداً فظيعاً، يقال: إنه سقط عنه، واستمر يوسف هارباً ذاهباً، وهي في أثره، فألفيا سيدها، وهو زوجها، عند الباب، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا} أي: فاحشة {إِلاَ أَن يُسْجَنَ} أي: يحبس، {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: يضرب ضرباً شديداً موجعاً. فعند ذلك انتصر يوسف عليه السلام بالحق، وتبرأ مما رمته به من الخيانة، و{قَالَ} باراً صادقاً: {هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي: من قدامه، {فَصَدَقَتْ} أي: في قولها: إنه راودها عن نفسها؛ لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه، دفعته في صدره، فقدّت قميصه،فيصح ما قالت، { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّـٰدِقِينَ} وذلك يكون كما وقع، لما هرب منها وتطلبته، أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها، فقدت قميصه من ورائه، وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغير أو كبير؟ على قولين لعلماء السلف، فقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} قال: ذو لحية، وقال الثوري: عن جابر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: كان من خاصة الملك، وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم: إنه كان رجلاً. وقال زيد بن أسلم والسدي: كان ابن عمها. وقال ابن عباس: كان من خاصة الملك. وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} قال: كان صبياً في المهد، وكذا روي عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم: أنه كان صبياً في الدار، واختاره ابن جرير، وقد ورد فيه حديث مرفوع، فقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، أخبرني عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تكلم أربعة وهم صغار" فذكر فيهم شاهد يوسف، ورواه غيره عن حماد بن سلمة، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه قال: "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى بن مريم" . وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: كان من أمر الله تعالى، ولم يكن إنسياً، وهذا قول غريب. وقوله: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} أي: لما تحقق زوجها صدق يوسف، وكذبها فيما قذفته ورمته به، {قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} أي: إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، ثم قال آمراً ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا} أي: اضرب عن هذا صفحاً، أي: فلا تذكره لأحد.
{وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ} يقول لامرأته، وقد كان لين العريكة سهلاً، أو أنه عَذَرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه، فقال لها: استغفري لذنبك، أي: الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب، ثم قذفه بما هو بريء منه، {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ}.