قال البخاري: قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } ألم تعلم؟ كقوله:
{ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ } [الفيل: 1]، { { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } [البقرة: 243] البوار: الهلاك، بار يبور بَوْراً، و { قَوْماً بُوراً } [الفتح: 12] هالكين. حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء، سمع ابن عباس: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } قال: هم كفار أهل مكة، وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: هو جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب، فلحقوا بالروم، والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار؛ فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ونعمة للناس، فمن قبلها، وقام بشكرها، دخل الجنة، ومن ردها، وكفرها، دخل النار، وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الأول. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل: أن ابن الكواء سأل علياً عن { ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } قال: هم كفار قريش يوم بدر، حدثنا المنذر بن شاذان، حدثنا يعلى ابن عبيد، حدثنا بسام، هو الصيرفي، عن أبي الطفيل قال: جاء رجل إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار؟ قال: منافقو قريش. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نفيل قال: قرأت على معقل عن ابن أبي حسين قال: قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ألا أحد يسألني عن القرآن؟ فوالله لو أعلم اليوم أحداً أعلم به مني وإن كان من وراء البحار، لأتيته، فقام عبد الله بن الكواء، فقال: من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار؟ قال: مشركو قريش، أتتهم نعمة الله الإيمان، فبدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار.
وقال السدي في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } الآية، ذكر مسلم المستوفى، عن علي أنه قال: هم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة، فأحلوا قومهم دار البوار يوم بدر، وأما بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد، وكان أبو جهل يوم بدر، وأبو سفيان يوم أحد، وأما دار البوار فهي جهنم.
وقال ابن أبي حاتمرحمه الله : حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الحارث أبو منصور، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرة قالا: سمعت علياً قرأ هذه الآية: { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } قال: هم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة، فأهلكوا يوم بدر، وأما بنو أمية، فمتعوا إلى حين، ورواه أبو إسحاق عن عمرو بن مرة عن علي، نحوه، وروي من غير وجه عنه. وقال سفيان الثوري عن علي بن زيد عن يوسف بن سعد، عن عمر بن الخطاب في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } قال: هم الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة، فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية، فمتعوا إلى حين، وكذا رواه حمزة الزيات عن عمرو بن مرة قال: قال ابن عباس لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين هذه الآية: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }؟ قال: هم الأفجران من قريش: أخوالي وأعمامك، فأما أخوالي، فاستأصلهم الله يوم بدر، وأما أعمامك، فأملى الله لهم إلى حين، وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن زيد: هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر، وكذا رواه مالك في تفسيره عن نافع عن ابن عمر.
وقوله: { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } أي: جعلوا له شركاء عبدوهم معه، ودعوا الناس إلى ذلك، ثم قال تعالى مهدداً لهم ومتوعداً لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } أي: مهما قدرتم عليه في الدنيا، فافعلوا، فمهما يكن من شيء، { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } أي: مرجعكم وموئلكم إليها؛ كما قال تعالى:
{ { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان: 24]، وقال تعالى: { { مَتَـٰعٌ فِى ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [يونس: 70].