التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ
٣٢
وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ
٣٣
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
٣٤
-إبراهيم

تفسير القرآن العظيم

يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفاً محفوظاً، والأرض فراشاً { { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَـٰتٍ شَتَّىٰ } [طه: 53] ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع. وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى، وسخر البحر لحملها؛ ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك، وما هناك إلى هنا، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقاً للعباد من شرب وسقي، وغير ذلك من أنواع المنافع { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ } أي: يسيران، لا يفتران ليلاً ولا نهاراً { { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40] { { يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الأعراف: 54] فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتقارضان، فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [لقمان:29] { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } وقوله تعالى: { { يُكَوِّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِى لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } [الزمر: 5].

وقوله: { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } يقول: هيأ لكم ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم وقالكم. وقال بعض السلف: من كل ما سألتموه، وما لم تسألوه، وقرأ بعضهم: { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } وقوله: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم؛ فضلاً عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيبرحمه الله : إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين. وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك الحمد غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا"

وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا داود بن المحبر، حدثنا صالح المري عن جعفر بن زيد العبدي، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله تعالى عليه، فيقول الله تعالى لأصغر نعمه أحسبه قال في ديوان النعم: خذي ثمنك من عمله الصالح، فتستوعب عمله الصالح كله، ثم تنحى وتقول: وعزتك ما استوفيت، وتبقى الذنوب والنعم، فإذا أراد الله أن يرحمه قال: يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك، وتجاوزت لك عن سيئاتك أحسبه قال: ووهبت لك نعمي" غريب، وسنده ضعيف. وقد روي في الأثر: أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك، وشكري لك نعمة منك عليَّ؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود، أي: حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر المنعم، وقال الإمام الشافعيرحمه الله : الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه، إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها، وقال القائل في ذلك:

لَوْ كُلُّ جارِحَةٍ مِنِّي لَها لُغَةٌتُثْنِي عليكَ بِما أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ
لكانَ ما زادَ شُكْري إِذْ شَكَرْتُ بهِإليكَ أَبْلَغَ في الإِحْسانِ والمِنَنِ