يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية، فقال: { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا } فأما الأمة: فهو الإمام الذي يقتدى به، والقانت: هو الخاشع المطيع، والحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال: { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } قال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين عن أبي العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت، فقال: الأمة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله، وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة: الذي يعلم الناس دينهم، وقال الأعمش: عن يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين: أنه جاء إلى عبد الله، فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رق له، فقال: أخبرني عن الأمة، فقال: الذي يعلم الناس الخير.
وقال الشعبي: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، وقال: إنما قال الله: { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } فقال: أتدري ما الأمة، وما القانت؟ قلت: الله أعلم، فقال: الأمة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله، وكذلك كان معاذ. وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود، أخرجه ابن جرير. وقال مجاهد: أمة: أي: أمة وحده، والقانت: المطيع. وقال مجاهد أيضاً: كان إبراهيم أمة: أي: مؤمناً وحده، والناس كلهم إذ ذاك كفار. وقال قتادة: كان إمام هدى، والقانت: المطيع لله. وقوله: { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } أي: قائماً بشكر نعم الله عليه؛ كقوله تعالى:
{ { وَإِبْرَٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } [النجم: 37] أي: قام بجميع ما أمره الله تعالى به. وقوله: { ٱجْتَبَـٰهُ } أي: اختاره واصطفاه؛ كقوله:
{ { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَٰهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَـٰلِمِينَ } [الأنبياء: 51]، ثم قال: { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي. وقوله: { وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } أي: جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة { وَإِنَّهُ فِى ٱلأَخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }. وقال مجاهد في قوله: { وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } أي: لسان صدق. وقوله: { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا } أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك ياخاتم الرسل وسيد الأنبياء: { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } كقوله في الأنعام: { { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 16] ثم قال تعالى منكراً على اليهود: