التفاسير

< >
عرض

أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٤٥
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ
٤٦
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
٤٧
-النحل

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات، ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب { مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }، أي: من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم؛ كقوله تعالى: { { أَءَمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } [الملك:16-17] وقوله: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ } أي: في تقلبهم في المعايش، واشتغالهم بها في أسفارهم ونحوها من الأشغال الملهية، قال قتادة والسدي: تقلبهم، أي: أسفارهم، وقال مجاهد والضحاك وقتادة: { فِى تَقَلُّبِهِمْ } في الليل والنهار؛ كقوله: { { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأعراف:97-98].

وقوله: { فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } أي: لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه. وقوله: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } أي: أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم، فإنه يكون أبلغ وأشد، فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد، ولهذا قال العوفي عن ابن عباس: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك، وكذا روي عن مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم. ثم قال تعالى: { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } أي: حيث لم يعاجلكم بالعقوبة، كما ثبت في الصحيحين: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً، وهو يرزقهم ويعافيهم" وفيهما: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102] وقال تعالى: { { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ } [الحج: 48].