التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٨٤
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٨٥
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ
٨٦
وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٨٧
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ
٨٨
-النحل

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة، وأنه يبعث من كل أمة شهيداً، وهو نبيها، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى: { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: في الاعتذار؛ لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه؛ كقوله: { { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات:35-36] فلهذا قال: { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي: الذين أشركوا { ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أي: لا يفتر عنهم ساعة واحدة، { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: لا يؤخر عنهم، بل يأخذهم سريعاً من الموقف بلا حساب، فإنه إذا جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فيشرف عنق منها على الخلائق، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه، فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد الذي جعل مع الله إلها آخر، وبكذا وبكذا، وتذكر أصنافاً من الناس، كما جاء في الحديث، ثم تنطوي عليهم، وتلتقطهم من الموقف كما يلتقط الطائر الحب، قال الله تعالى: { { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَٰحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } [الفرقان: 12-14]، وقال تعالى: { { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } [الكهف: 53] وقال تعالى: { { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [الأنبياء:39-40].

ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها، فقال: { وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } أي: الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا { قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } أي: قالت لهم الآلهه: كذبتم، ما نحن أمرناكم بعبادتنا، كما قال تعالى: { { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَـٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } [الأحقاف:5-6] وقال تعالى: { { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم:81-82] وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } [العنكبوت: 25] الآية، وقال تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } [الكهف:52] الآية، والآيات في هذا كثيرة.

وقوله: { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } قال قتادة وعكرمة: ذلوا واستسلموا يومئذ، أي: استسلموا لله جميعهم، فلا أحد إلا سامع مطيع، وكقوله تعالى: { { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [مريم: 38] أي: ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ وقال: { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [السجدة: 12] الآية، وقال: { { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ } [طــه: 111] أي: خضعت وذلت واستكانت، وأنابت واستسلمت. وقوله: { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله، فلا ناصر لهم، ولا معين ولا مجير.

ثم قال تعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا } الآية، أي: عذاباً على كفرهم، وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق؛ كقوله تعالى: { { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } [الأنعام: 26] أي: ينهون الناس عن اتباعه، ويبتعدون هم منه أيضاً { { وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 26] وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم؛ كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى: { { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 38] وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سريج بن يونس، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله في قول الله: { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } قال: زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال. وحدثنا شريح بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا الأعمش عن الحسن، عن ابن عباس في الآية أنه قال: { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } قال: هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل، وببعضها في النهار.