يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم: { ءَامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أي: سواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه، أنزله الله، ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ولهذا قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ } أي: من صالحي أهل الكتاب، الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } هذا القرآن { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } جمع ذقن، وهو أسفل الوجه { سُجَّدًا } أي: لله عز وجل؛ شكراً على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلاً أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب، ولهذا يقولون: { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } أي: تعظيماً وتوقيراً على قدرته التامة، وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قالوا: { سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً }. وقوله: { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } أي: خضوعاً لله عز وجل، وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله { وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } أي: إيماناً وتسليماً، كما قال:
{ { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَـٰهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17]. وقوله: { وَيَخِرُّونَ } عطف صفة، على صفة لا عطف السجود على السجود، كما قال الشاعر:إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامولَيْثِ الكَتيبَةِ في المُزْدَحَمْ