التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
-الإسراء

تفسير القرآن العظيم

يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم، وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهد وقتادة: بنبيهم، وهذا كقوله تعالى: { { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } [يونس: 47] الآية. وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث؛ لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم من التشريع، واختاره ابن جرير. وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: بكتبهم، فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } أي: بكتاب أعمالهم. وكذا قال أبو العالية والحسن والضحاك، وهذا القول هو الأرجح؛ لقوله تعالى: { { وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ فِىۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } [يس: 12] وقال تعالى: { { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [الكهف: 49] الآية. ويحتمل أن المراد بإمامهم أي: كل قوم بمن يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهم السلام، وأهل الكفر اتئموا بأئمتهم؛ كما قال: { { وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [القصص: 41] وفي "الصحيحين": "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع ما كان يعبد الطواغيت الطواغيت" الحديث. وقال تعالى: { { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية: 28 - 29] وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته؛ فإنه لا بد أن يكون شاهداً على أمته بأعمالها؛ كقوله تعالى: { { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ وَجِـىءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } [الزمر: 69] وقوله تعالى: { { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء: 41] ولكن المراد ههنا بالإمام هو كتاب الأعمال، ولذا قال تعالى: { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـٰبَهُمْ } أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويحب قراءته؛ كقوله: { { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } إلى قوله { { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِشِمَالِهِ } [الحاقة: 19 - 25] الآيات.

وقوله تعالى: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } قد تقدم أن الفتيل هو الخيط المستطيل في شق النواة. وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثاً في هذا فقال: حدثنا محمد بن يعمر ومحمد بن عثمان بن كرامة قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } قال: "يدعى أحدهم، فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد، فيقولون: اللهم ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم فيقول لهم: أبشروا؛ فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر، فيسود وجهه، ويمد له جسمه، ويراه أصحابه فيقولون: أعوذ بالله من هذا، أو من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم فيقولون: اللهم أخزه فيقول: أبعدكم الله؛ فإن لكل رجل منكم مثل هذا" ثم قال البزار: لا يروى إلا من هذا الوجه. وقوله تعالى: { وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } الآية، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: { وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ } أي: في الحياة الدنيا { أَعْمَىٰ } أي: عن حجة الله وآياته وبيناته { فَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } أي: كذلك يكون، { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } أي: وأضل منه؛ كما كان في الدنيا، عياذاً بالله من ذلك.