لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنى بذكر السعداء الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة، فلهم {جنات عدن}، والعدن: الإقامة. {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ} أي من تحت غرفهم ومنازلهم، قال فرعون:
{ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِي مِن تَحْتِي } [الزخرف: 51] الآية، {يُحَلَّوْنَ} أي من الحلية {فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} وقال في المكان الآخر: { وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [الحج: 23] وفصله ههنا، فقال: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} فالسندس ثياب رفاع رقاق؛ كالقمصان وما جرى مجراها. وأما الإستبرق، فغليظ الديباج، وفيه بريق. وقوله: {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ} الاتكاء قيل: الاضطجاع، وقيل: التربع في الجلوس، وهو أشبه بالمراد ههنا، ومنه الحديث الصحيح:
"أما أنا فلا آكل متكئاً" ، فيه القولان، والأرائك جمع أريكة، وهي السرير تحت الحجلة، والحجلة كما يعرفه الناس في زماننا هذا بالباشخاناه، والله أعلم. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة: {عَلَى ٱلأَرَآئِكِ} قال: هي الحجال، قال معمر: وقال غيره: السرر في الحجال. وقوله: {نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} أي نعمت الجنة ثواباً على أعمالهم وحسنت مرتفقاً، أي حسنت منزلاً ومقيلاً ومقاماً، كما قال في النار: {بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا} وهكذا قابل بينهما في سورة الفرقان في قوله:
{ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [الفرقان: 66]، ثم ذكر صفات المؤمنين، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً خَـٰلِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [الفرقان: 76].