يقول تعالى: {فَٱنْطَلَقَا} أي: بعد ذلك {حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى، وأنه عمد إليه من بينهم، وكان أحسنهم وأجملهم وأضوأهم فقتله، وروي أنه احتز رأسه، وقيل: رضخه بحجر، وفي رواية: اقتلعه بيده، والله أعلم، فلما شاهد موسى عليه السلام هذا، أنكره أشد من الأول، وبادر فقال: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} أي: صغيرة لم تعمل الحنث، ولا عملت إثماً بعد، فقتلته {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: بغير مستند لقتله {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} أي: ظاهر النكارة {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} فأكد أيضاً في التذكار بالشرط الأول، فلهذا قال له موسى: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا} أي: إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة {فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} أي: أعذرت إليّ مرة بعد مرة، قال ابن جرير: حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا حجاج بن محمد عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحداً، فدعا له، بدأ بنفسه، فقال ذات يوم:
"رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه، لأبصر العجب، ولكنه قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً" مثقلة.