يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان أنهم يصدون ويعرضون عن ذلك، ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم، ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم { خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أي: أحسن منازل، وأرفع دوراً، وأحسن ندياً، وهو مجتمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر وارداً وطارقاً، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبراً عنهم:
{ ٱوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [الأحقاف: 11] وقال قوم نوح: { { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111] وقال تعالى: { { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } [الأنعام: 53] ولهذا قال تعالى راداً على شبهتهم: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } أي: وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } أي: كانوا أحسن من هؤلاء أموالاً ومناظر وأشكالاً وأمتعة. قال الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: { خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } قال: المقام: المنزل، والندي: المجلس، والأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، وقال العوفي عن ابن عباس: المقام: المسكن، والندي: المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن: { { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الدخان: 25 - 26] فالمقام: المسكن والنعيم، والندي: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال تعالى فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط: { { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } [العنكبوت: 29] والعرب تسمي المجلس النادي، وقال قتادة: لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، فعرض أهل الشرك ما تسمعون: { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } وكذا قال مجاهد والضحاك. ومنهم من قال في الأثاث: هو المال، ومنهم من قال: الثياب، ومنهم من قال المتاع، والرئي: المنظر؛ كما قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، وقال الحسن البصري: يعني: الصور. وكذا قال مالك: { أَثَاثاً وَرِءْياً }: أكثر أموالاً، وأحسن صوراً، والكل متقارب صحيح.