أي: لما واجه حزب الإيمان، وهم قليل من أصحاب طالوت، لعدوهم أصحاب جالوت، وهم عدد كثير { قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي: أنزل علينا صبراً من عندك { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } أي: في لقاء الأعداء، وجنبنا الفرار والعجز { وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ }.
قال الله تعالى: { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ } ذكروا في الإسرائيليات أنه قتله بمقلاع كان في يده، رماه به فأصابه فقتله، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته، ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له، ثم آل الملك إلى دواد عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة، ولهذا قال تعالى: { وَآتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } الذي كان بيد طالوت { وَٱلْحِكْمَةَ } أي: النبوة بعد شمويل { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } أي: مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } أي: لولا الله يدفع عن قوم بآخرين كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود، لهلكوا؛ كما قال تعالى:
{ { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَـٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } [الحج: 40] الآية، وقال ابن جرير: حدثني أبو حميد الحمصي أُحد بن المغيرة، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء" ثم قرأ ابن عمر { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } وهذا إسناد ضعيف، فإن يحيى ابن سعيد هذا هو أبو زكريا العطار الحمصي، وهو ضعيف جداً، ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو حميد الحمصي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده، وولد ولده، وأهل دويرته، ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله عزّ وجل، ما دام فيهم" وهذا أيضاً غريب ضعيف؛ لما تقدم أيضاً. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا علي بن إسماعيل بن حماد، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، أخبرنا زيد بن الحباب، حدثني حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رفع الحديث، قال: "لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون، وبهم تمطرون، وبهم ترزقون، حتى يأتي أمر الله" . وقال ابن مردويه أيضاً: وحدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن جرير بن يزيد، حدثنا أبو معاذ نهار عثمان الليثي، أخبرنا زيد بن الحباب، أخبرني عمر البزار عن عنبسة الخواص، عن قتادة، عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم ترزقون، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون" قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم. وقوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي: ذو منّ عليهم ورحمة بهم، يدفع عنهم ببعضهم بعضاً، وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله.
ثم قال تعالى: { تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي: هذه آيات الله التي قصصناها عليك من أمر الذين ذكرناهم بالحق، أي: بالواقع الذي كان عليه الأمر المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحق الذي يعلمه علماء بني إسرائيل، { وَإِنَّكَ } يا محمد { لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وهذا توكيد وتوطئة للقسم.