يقول تعالى مخبراً عن الكفار في قولهم: { لَوْلاَ } أي: هلا يأتينا محمد بآية من ربه، أي: بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله؟ قال الله تعالى: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } يعني: القرآن الذي أنزله عليه الله، وهو أمي لا يحسن الكتابة، ولم يدارس أهل الكتاب، وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها، فإن القرآن مهيمن عليها، يصدق الصحيح، ويبين خطأ المكذوب فيها وعليها، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة العنكبوت:
{ { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 50 - 51] وفي "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" وإنما ذكر ههنا أعظم الآيات التي أعطيها عليه السلام، وهو القرآن، وإلا فله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر، كما هو مودع في كتبه، ومقرر في مواضعه. ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } أي: لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم، وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم، لكانوا قالوا: { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } قبل أن تهلكنا، حتى نؤمن به، ونتبعه؛ كما قال: { فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون لا يؤمنون
{ { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [يونس: 97] كما قال تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } - إلى قوله - { { بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } [الأنعام: 155 - 157] وقال: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [فاطر: 42] الآية، وقال: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [الأنعام: 109] الآيتين، ثم قال تعالى: { قُلْ } أي: يا محمد لمن كذبك وخالفك واستمر على كفره وعناده { كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ } أي: منا ومنكم { فَتَرَبَّصُواْ } أي: فانتظروا { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَـٰبُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ } أي: الطريق المستقيم { وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } إلى الحق وسبيل الرشاد، وهذا كقوله تعالى: { { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان: 42] وقال: { { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [القمر: 26]. آخر تفسير سورة طه، ولله الحمد والمنة، ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة الأنبياء، ولله الحمد.