يقول تعالى آمراً رسوله صلوات الله وسلامه عليه أن يقول للمشركين: {إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أي: متبعون على ذلك، مستسلمون منقادون له {فإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تركوا ما دعوتهم إليه، {فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ} أي: أعلمتكم أني حرب لكم، كما أنكم حرب لي، بريء منكم، كما أنتم برآء مني؛ كقوله:
{ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41] وقال: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } [الأنفال: 58] أي: ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء، وهكذا ههنا: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ} أي: أعلمتكم ببراءتي منكم، وبراءتكم مني لعلمي بذلك. وقوله: {وَإِنْ أَدْرِىۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} أي: هو واقع لا محالة، ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده، {إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} أي: إن الله يعلم الغيب جميعه ويعلم ما يظهره العباد وما يسرون، يعلم الظواهر والضمائر، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما العباد عاملون في أجهارهم وأسرارهم، وسيجزيهم على ذلك القليل والجليل. وقوله: {وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} أي: وما أدري لعل هذا فتنة لكم، ومتاع إلى حين. قال ابن جرير: لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم ومتاع إلى أجل مسمى، وحكاه عون عن ابن عباس، فالله أعلم. {قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ} أي: افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق. قال قتادة: كان الأنبياء عليهم السلام يقولون:
{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ } [الأعراف: 89] وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك، وعن مالك عن زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهد غزاة قال: {رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ}. وقوله: {وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} أي: على ما يقولون ويفترون من الكذب، ويتنوعون في مقامات التكذيب والإفك، والله المستعان عليكم في ذلك. آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام، ولله الحمد والمنة.